صحيح ، أنّ الناس وجميع المخلوقات في هذه الدنيا وفي كافة الأحوال حاضرون دائماً ، في محضر الله تبارك وتعالى ، فهو حاضر في كل مكان وهو معنا أينما كنّا ، وهو أقرب إلى أنفسنا منّا ، ولكن هذه المسألة تتخذ بعداً آخر يوم القيامة ، فمن جهة يكشف عن جميع حجب الغفلة والجهل فتصبح الأبصار حادة قوية والقلوب ذات بصيرة نافذة ومن جهة اخرى تتجلى في ذلك اليوم آثار الله أكثر من أي وقت آخر فتقام محكمة عدله وتوضع موازين القسط.
حقاً إنّه مشهد عظيم ، الجميع يحضر ليقف على ماقدم وعمل في الحياة الدنيا ، الكل في محضر الله تعالى.
* * *
وتتحدث الآية الثانية عن حكمه وقضائه تبارك وتعالى بين الناس في ذلك اليوم ، وعن الفصل بين جميع اختلافات ومنازعات الناس في دار الدنيا بمختلف أشكالها وألوانها (العقائدية ، أو اليومية) ، قال تعالى : (اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيمَةِ فِيَما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
من البديهي أنّ أنواع الحجب التي تحيط بفكر وقلب الإنسان في هذه الدنيا (حب الذات ، الأنانية ، المصالح الشخصية والطائفية ، العصبية وحجاب الذنوب) لا تسمح بحل اختلافات الأقوام والشعوب ، ولكن عندما ترفع جميع هذه الحجب ويصبح الحكم لله الواحد القهار عند ذلك تنتهي جميع الاختلافات والمنازعات.
إنّ المبطلين بعد ازالة هذه الحجب ينقادون ويرجعون إلى عقولهم بحيث يصبحون هم المحاسبين لأنفسهم ، وسنبيّن ذلك في البحوث المقبلة.
* * *
__________________
ـ مجموع خبر (كل) ، وتنوين كلٌ : بدل من المضاف إليه المحذوف ، وكانت في الأصل (كلهم) ، ومحضرون : إمّا هو خبر بعد الخبر أو صفة لجميع ، وعلى هذا المعنى تكون الجملة هكذا : (وما كلهم إلّامجموعون يوم القيمة محضرون لدينا) وهناك احتمالات اخرى في إعراب الآية.