وفي خبر الطبرسي في «مجمع البيان» قال : فلما تلا عليه هذه الآيات قال له : فهل تستطيع أن تعتق رقبة؟ قال : الرقبة غالية وأنا قليل المال فيذهب مالي كله! فقال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال : يا رسول الله ، والله انّي إذا لم آكل ثلاث مرّات (في اليوم) كلّ بصري وخشيت أن تغشى عيني! قال : فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟ قال : لا والله الا أن تعينني على ذلك ، يا رسول الله. فقال : إنّي معينك بخمسة عشر صاعا ، وأنا داع لك بالبركة.
فأعانه رسول الله بخمسة عشر صاعا ودعا له بالبركة ، فاجتمع أمرهما (١).
* * *
وإذا كان هذا الصحابيّ الأنصاري الخزرجي عاد الى طلاق أهل الجاهلية بصيغة الظهار بعد أكثر من ثمان سنين من الهجرة ، فاقتضى نزول مفتتح هذه السورة الى أربع آيات منها ، فالآية الثامنة منها تشير الى مخالفة جمع منهم في تحيّته صلىاللهعليهوآله بغير تحية الله والإسلام بقولهم إذا أتوه : أنعم صباحا ، وأنعم مساء ، وهي تحية أهل الجاهلية! فأنزل الله : (... وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٢) فالآية نهتهم عن تحيّة الجاهلية. والآية التالية نهتهم عن النجوى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) وأردف حكمة هذا النهي فقال : (إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) ولقد أشار في صدر الآية السابقة الثامنة الى أنّ هذا النهي عن النجوى
__________________
(١) مجمع البيان ٩ : ٣٧١.
(٢) المجادلة : ٨ والخبر في تفسير القمي ٢ : ٣٥٥.