فلم يزد رسول الله على أن تبسّم له. فلما رجع إلى أصحابه جعل الناس يقولون له : والله ما بيّن لك رسول الله شيئا ، ما ندري بمن يبدي؟ بقريش؟ أو ثقيف؟ أو هوازن؟ وسار رسول الله حتى بلغ السقيا فوجد فيها أنّ الأقرع بن حابس التميمي قد وافاها في عشرة نفر من قومه ، فساروا معه.
وتجسّست هوازن أيضا :
روى الواقدي : أنّ من العرج تقدمت طليعة من الخيل أمام المسلمين ، فلما كانوا بين العرج إلى الطّلوب جاءوا برجل إلى رسول الله وقالوا : كان هذا على راحلته فلما طلعنا عليه تغيّب عنّا في وهدة (منخفض من الأرض) ثم طلع على مرتفع من الأرض ، فركضنا نحوه فأراد أن يهرب منّا .. فقلنا له : ممّن أنت؟ قال : رجل من غفار ، فقلنا من أيّ بني غفار أنت؟ فعيي (عجز عن الجواب) ولم ينفذ لنا نسبا ، فازددنا به ريبة وأسأنا به الظنّ. فقلنا : فأين أهلك؟ قال : قريبا وأومأ إلى ناحية. قلنا : على أيّ ماء؟ ومن معك هنالك؟ فلم ينفذ لنا شيئا ، فلما رأينا ما خلط قلنا : لتصدقنا أو لنضربن عنقك؟ قال : فإن صدقتكم ينفعني ذلك عندكم؟ قلنا : نعم.
فقال : أنا رجل من بني نضر من هوازن ، بعثوني وقالوا : ائت المدينة لتستخبر لنا ما يريد محمد في أمر حلفائه (خزاعة) أيبعث إلى قريش بعثا أو يغزوهم بنفسه؟ .. فان خرج سائرا أو بعث بعثا فسر معه حتى تنتهي إلى بطن سرف ، فان كان يريدنا أوّلا فيسلك في بطن سرف حتى يخرج إلينا ، وإن كان يريد قريشا فسيلزم الطريق. فقال رسول الله : وأين هوازن؟ قال : تركتهم ببقعاء وقد جمعوا الجموع وأجلبوا في العرب ، وبعثوا إلى ثقيف فأجابتهم ، فتركت ثقيفا على ساق قد جمّعوا الجموع ، وبعثوا إلى الجرش (١) ليصنعوا لهم منجنيقا ودبّابات ، ثم هم
__________________
(١) الجرش من مدن اليمن إلى جهة مكة. معجم البلدان ٣ : ٨٤.