كان سابقا بنهي النبيّ وانّهم عادوا لما نهوا عنه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ ...).
مجالس النبي وأصحابه :
وفي الآية الحادية عشرة دلالتان متقابلتان ، فهي من ناحية تدلّ على وجود مؤمنين في أصحابه صلىاللهعليهوآله وذوي العلم فيهم وأنّهم ذو وفضل في الإسلام ، وأنّه صلىاللهعليهوآله كان يحاول تفضيلهم في المجالس فيفسح لهم. ولكن الآية من ناحية ثانية تشير الى أنّ جمعا منهم كان إذا قيل لهم انشزوا أو تفسّحوا يتضايقون من ذلك ، فاقتضى الأمر نزول وحي الله يؤيّد نبي الله في ذلك ، فنزلت الآية.
وقال المقاتلان بشأن نزولها : إنه صلىاللهعليهوآله كان بعد أن بنى الصفة في مسجده (في السابعة) يخرج أيام الجمعة قبل الصلاة فيجلس فيهم ، وفي المكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر من الأنصار والمهاجرين ، فبيناهم كذلك والمجلس غاصّ بأهله إذ أقبل عليهم جمع من أهل بدر منهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري ، فسلّموا عليه صلىاللهعليهوآله ثم سلّموا على القوم فردّوا عليهم ولم يفسحوا لهم ، فقال لنفر منهم بقدر البدريّين : يا فلان ويا فلان قوموا. فأقامهم ليجلس البدريّون ، فبدت الكراهة على وجوههم!
وحاول المنافقون إثارتهم فقالوا لهم : إنّ قوما أحبّوا القرب من نبيّهم وأخذوا مجالسهم بقربه فأقامهم وأجلس من أبطأ عنهم مقامهم! فو الله ما عدل على هؤلاء! وأنتم تزعمون أنّ صاحبكم يعدل بين الناس! فنزل قوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ...)(١).
__________________
(١) المجادلة : ١١ والخبر في مجمع البيان ٩ : ٣٧٨ وأسباب النزول للواحدي : ٣٤٧.