هذا بعد أن بدأ الفصل بقوله : قدم على رسول الله كتاب ملوك حمير مقدمه من تبوك من ملوك معافر وذي رعين وهمدان. وحيث كان الخبر المعتبر عندنا إسلام همدان على يدي علي عليهالسلام وكان ذلك في شهر رمضان من العاشرة للهجرة كما مرّ ، لذلك لم نعتبر هذا الخبر المرسل من ابن اسحاق ، مع استبعادات اخرى في نصّ الرسالة ، مع اضطراب وتشويش في النصّ ـ عدّلناه فيما نقلناه ـ ومع خلط وخبط بين نصّين من كتابين الى أقيال اليمن : ابني عبد كلال وذي يزن. وسيأتي أنّه بعث الى سواهم.
وذكر ابن الأثير : أن معاذا كان من أحسن الناس وجها وأحسنهم خلقا وأسمحهم كفّا ، فاقترض دينا كثيرا حتى تغيّب عنهم في بيته أيّاما ... فأرسل عليه رسول الله ليبعث به الى اليمن وقال له : لعلّ الله يجبرك ويؤدّي عنك (١).
ورووا عنه قال : لما بعثني رسول الله الى اليمن خرج معي يوصيني يمشي تحت راحلتي وأنا راكب (٢) الى أكثر من ميل! (٣) وقال له :
يا معاذ ، علّمهم كتاب الله ، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة ، وأنزل الناس منازلهم خيرهم وشرّهم ، وأنفذ أمر الله فيهم ولا تحاش في أمره ولا ماله أحدا فإنها ليست بولايتك ولا مالك ، وأدّ إليهم الأمانة في كل قليل وكثير ، وعليك بالرفق والعفو ، في غير ترك للحق كي لا يقول الجاهل قد تركت من حق الله ، واعتذر الى أهل عملك من كل أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك ، وأمت أمر الجاهلية إلّا ما سنّه الإسلام ، وأظهر أمر الإسلام كلّه صغيره وكبيره ،
__________________
(١) اسد الغابة ٤ : ٣٧٧.
(٢) تاريخ الخميس ٢ : ١٤٢.
(٣) كنز العمّال ١٠ : ٣٩٢.