ولهذا نظر الطباطبائي الى زمان نزول السورة من زاوية اخرى هي أنّها : نزلت على رسول الله في أواخر أيام حياته ، وقال : فالمناسب لذلك تأكيد الوصية بحفظ المواثيق المأخوذة لله تعالى على عباده ، والتثبّت فيها ، فما يفيده التدبّر في عامة آياتها ، وفي الأحكام والقصص والمواعظ بها : أن الغرض الجامع في السورة هو الدعوة الى الوفاء بالعهود وحفظ المواثيق الحقة كائنة ما كانت ، والتحذير البالغ عن نقضها وعدم الاعتناء بأمرها ، وأنّ عادته تعالى جرت بالرحمة والتخفيف والتسهيل لمن اتقى وآمن ثم اتقى وأحسن ، وبالتشديد على من بغى واعتدى وطغى بالخروج عن ربقة العهد بالطاعة ، وتعدّى حدود المواثيق المأخوذة عليه في الدين ، فهي لهذا تشتمل على نبأ ابني آدم في قربانهما المتقي والطاغي ، والاشارة الى كثير من مظالم بني اسرائيل ونقضهم المواثيق المأخوذة منهم ، وسؤالهم المسيح المائدة ثم عدم الوفاء بمقتضاها ، وعلى كثير من الآيات التي يمتن الله بها على عباده من تحليل الطاهر وتشريع ما يطهّر بلا عسر ولا حرج ، ومن إكمال الدين واتمام النعمة (١).
الآيات الثلاثة الأول :
مرّ أن الآية الاولى والثانية تناسب مناسك الحج فهما : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْواناً وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ).
__________________
(١) الميزان ٥ : ١٥٧ بتصرف.