ومن النفاق المفضوح :
ولم يكشف النبيّ صلىاللهعليهوآله عن نفاق الثقفيّ والمزنيّ فيفضحهما ، ولكن اختلف الحال مع عيينة بن حصن الفزاري. وكأنّ عيينة لما رأى أن رءوسا مثله كالثقفي وأبي سفيان يطلبون من ثقيف الأمان فيكلّمونهم ، أراد أن يجعل له يدا عندهم ، فتقدّم إلى رسول الله وقال : يا رسول الله ، ايذن لي أن أذهب إلى حصن الطائف فاكلّمهم فأذن له. فدنا من الحصن وقال لهم : أدنو منكم وأنا آمن؟ فعرفه أبو محجن المذكور فقال : نعم ادن فادخل. فدنا ودخل عليهم الحصن فقال لهم : فداؤكم أبي وامّي! والله لقد سرّني ما رأيت منكم ، والله لو أنّ في العرب أحدا غيركم! والله ما لاقى محمد مثلكم قطّ ، ولقد ملّ المقام ، فاثبتوا في حصنكم ، فانّ حصنكم حصين وسلاحكم كثير ، وماءكم واتن : لا تخافون قطعه!
قال الراوي من جانب ثقيف : إنه لما خرج قال جمع منهم لأبي محجن : إنّا كرهنا دخوله إذ خشينا أنه إن رأى فينا أو في حصننا خللا أن يخبر محمدا! فقال لهم أبو محجن : بل ليس منا أحد أشدّ على محمد منه ، وإن كان معه! فلما رجع إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله قال له : ما قلت لهم؟ قال : خذّلتهم ما استطعت وقلت لهم : إنّ محمدا (كذا) قد نزل بساحة أهل الحصون قبلكم : قينقاع والنضير وقريظة وخيبر : أهل ا لحلقة والعدّة والآطام (الحصون) والله لا يبرح محمد عقر داركم حتى تنزلوا! فادخلوا في الإسلام! أو خذوا لأنفسكم أمانا! وخذّلتهم ما استطعت!
فلما فرغ من حديثه ، قال له رسول الله : كذبت! قلت كذا وكذا فأخبره بالذي قال لهم (١). فقال له أبو بكر : ويحك يا عيينة! إنما أنت توضع في الباطل أبدا ، كم لنا منك من يوم بني النضير وقريظة وخيبر ، تجلب علينا وتقاتلنا بسيفك ، ثم
__________________
(١) الخرائج والجرائح ١ : ١١٨ ، الحديث ١٩٥ ، ومغازي الواقدي ٢ : ٩٣٢.