أوّل ما نزل في القتال قوله سبحانه في سورة البقرة الاولى أو الثانية في المدينة : (وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ)(١) وآية الإذن في سورة الحج إنّما هي إخبار عن ذلك الإذن السابق ، أو هي إخبار وتأكيد على ما قاله صلىاللهعليهوآله في خطبته بعد فتح مكة : إنّها حرم حرام في حرام إلّا أنّها احلّت لي ساعة من نهار (٢) وإن كان هو بدوره عملا بقوله سبحانه من قبل في سورة البقرة بعد الآية السابقة : (... وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ)(٣). ولعله لهذا عبّرت الآية : (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) بفتح التاء ، إشارة إلى أنّهم قوتلوا فقاتلوا ، ولو لم يقاتلوا لم يقاتلوا ، بل لم يؤذن لهم أن يقاتلوا.
إلقاء الشيطان في أماني أنبياء الإيمان :
وإذا بنينا على نزول السورة في هذه الفترة بالمدينة ، بلا برهان قاطع على استثناء آيات منها ، فلا نسلّم باستثناء الآية ٥٢ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(٤). بل الأوفق بالسياق : أن رسول الله يتمنّى ـ طبعا ـ أن يتوفّق لأداء رسالته وتبليغها ونشرها واستمرارها ودوامها ورفع بل دفع الموانع عنها. وطبيعيّ أن الشيطان بل شياطين الجن والإنس كانوا يلقون في هذه الامنية الرساليّة بما يلائمهم ويضادّ مفاد الرسالة ، ولا أقل من الترديد والتشكيك في تحقيق
__________________
(١) البقرة : ١٩٠. الميزان ١٤ : ٣٨٣ ومجمع البيان ١ : ٥١٠ والتبيان ٢ : ١٤٣.
(٢) فروع الكافي ١ : ٢٢٨.
(٣) البقرة : ١٩١.
(٤) الحج : ٥٢ وانظر التمهيد ١ : ٢٠١.