أمانيها ، كما مرّت الإشارة إلى ذلك في بعض الآيات الآنفة الذكر : (مَنْ كانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللهُ) وكما بدر من بعض أصحابه من الاعتراض على مفاد صلح الحديبية والتشكّك في رسالته وصدق وعده لذلك ، كما مرّ كذلك. فنسخ الله بفتح مكة ما ألقته الشياطين من الوساوس ، وأحكم آياته بوعده بنصره لرسوله ، وقال في الآية التالية ٥٣ : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ...) وقال قبلها : (لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ...) وقال بعدها : (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) ... (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ) فتشكّكهم في تملك الرسول لا يزول ، ولذلك الله يقول لهم : إنّ هذه المرية والريب منهم لا يزال حتى يصبح الملك لله يوم الساعة (١).
وفي الآية ٣٤ من آيات مناسك الحج : ٢٥ ـ ٣٧ قال : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً) وكرّره في الآية ٦٧ فقال : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ* وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ* اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
وروى الطبرسي في «جوامع الجامع» أنّ جمعا من كفّار خزاعة المحالفين للمسلمين وفيهم بديل بن ورقاء الخزاعي قالوا لهم : ما لكم إنما تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله؟! يعنون الميتة! (٢) ولعله كان ذلك بعد فتح مكة ومعاشرتهم
__________________
(١) وبمثل هذا قال الطباطبائي في الميزان ١٤ : ٣٩١ وهو أفضل مقال في هذا المجال ، ويغني عن القيل والقال.
(٢) جوامع الجامع للطبرسي ٢ : ١٠٨ وأشار إليه في مجمع البيان ٧ : ١٥٠ وفي التبيان ٧ : ٣٣٨.