تحريم الرسول الحلال على نفسه :
مرّ الحديث عن ابن سعد بسنده عن عائشة قالت عن مارية القبطية : إنّها كانت جعدة جميلة ، فاعجب بها رسول الله ... فما غرت على امرأة إلّا دون ما غرت عليها ... وفرغنا لها (لإثارتها وإيذائها وإزعاجها!) ... ثمّ رزقها الله الولد وحرمناه ... وحوّلها رسول الله إلى العالية يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشدّ علينا (١).
فهي كانت في مشربتها في عوالي المدينة ولا بيت لها من بيوت النبيّ حوّل مسجده ، وكأنّ عائشة زارت أباها ، وزارت مارية ـ بعد أن كانت أمّ إبراهيم ـ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فخلا بها في بيت عائشة «وكانت حفصة وعائشة متصافيتين متظاهرتين على سائر أزواجه» (٢) واطّلعت حفصة على ذلك ، وعلم النبيّ بذلك.
فروى الطبرسي عن الزجّاج : أنّه صلىاللهعليهوآله دعا حفصة وقال لها : لا تعلمي عائشة بذلك ، وأنّه حرم مارية على نفسه ، وأخبرها بأنّ أبا بكر سيملك الأمر من بعده وبعده أبوها عمر بن الخطّاب واستكتمها إيّاه ، فأعلمت حفصة الخبر لعائشة.
ثمّ قال الطبرسي : وقريب من ذلك ما رواه العيّاشي بالإسناد عن عبد الله بن عطاء المكّي عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام بزيادة : أنّ كلّ واحدة منهما حدّثت أباها بذلك ، فعاتبهما رسول الله في أمر مارية وما أفشتا عليه منه ، وأعرض عن أن يعاتبهما في الأمر الآخر : أنّ أبا بكر وعمر يملكان بعده.
قال الطبرسي : قال الزجّاج : فأطلع الله نبيّه صلىاللهعليهوآله على ذلك ، وهو قوله سبحانه : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) يعني حفصة ... فعرّفها بعض ما أفشت من الخبر ، وأعرض عن بعض : أنّ أبا بكر وعمر يملكان بعده (٣).
__________________
(١) الطبقات الكبرى ٨ : ١٥٣.
(٢) مجمع البيان ١٠ : ٤٧٢.
(٣) مجمع البيان ١٠ : ٤٧٢. والآية من التحريم : ٣.