فقال : يا رسول الله لقد قورب به (دنا أجله) فقام ليعوده فأدركه في نزعاته حتّى قبض ، فتولّى غسله وتكفينه ودفنه.
فقال الأنصار : نحن آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبدا حبشيّا!
وقال المهاجرون : هاجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا فلم ير أحد منّا في حياته ومرضه وموته ما لقي هذا الغلام!
فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً)(١) وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ.
وكان من آثار انتشار أخبار جباة الزكوات أن قدم المدينة أقوام من أعراب بني أسد ، لم يكونوا مؤمنين في السرّ ، إنّما كانوا يطلبون الصدقة فأظهروا الإسلام وقالوا له صلىاللهعليهوآله : إنّا لم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، وأتيناك بالعيال والأثقال ، فأعطنا من الصدقة. فكأنّما كانوا يمنّون عليه ، وقد أغلوا أسعار المدينة وأفسدوا طرقها بالعذرات! فنزل قوله سبحانه : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ)(٢).
والسورة التالية في النزول : التحريم.
__________________
(١) الحجرات : ١٣ ، والخبر في أسباب النزول للواحدي : ٣٣٢.
(٢) الحجرات : ١٤ ـ ١٨ ، والخبر في مجمع البيان ٩ : ٢٠٧ ، وأسباب النزول للواحدي : ٣٣٢.