النهي عن تحريم الطيّبات هو حال الرهبان الذين كانوا يحرّمون على أنفسهم المطاعم الطيّبة والمشارب اللذيذة ، والنساء ، ويسيحون في الأرض ويحبسون أنفسهم في الصوامع ، وقد همّ قوم من الصحابة أن يماثلوهم ، فنهاهم الله عن ذلك (١).
وروى الواحدي في «أسباب النزول» بسنده عن عكرمة عن ابن عباس أيضا قال : إنّ رجلا أتى النبيّ وقال : إنّي إذا أكلت اللحم انتشرت الى النساء فحرّمت عليّ اللحم! فنزلت (٢).
وهذان مما لا يتنافى مع موقع نزول المائدة بعد حجة الوداع ، وإنّما يلائمانه وينسجمان معه.
تأكيد تحريم الخمر :
تقدّم تحريم اثم الخمر بالآية (٢١٩) من سورة البقرة في الجزء الثاني في حوادث السنة الثانية : ١٨٥ ، ثم تشديد تحريمها بعد احد بل بعد غزوة بني النضير في شهر ربيع الأول للسنة الرابعة ٢ : ٤٢٧ ، ولعلّها كانت بمناسبة نزول سورة النساء وفيها الآية (٤٣) : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) وكان فيه خبر سكب قرب الفضيخ من البسر والتمر ، ولكن القمي نقله في تفسيره للآيات (٩٠ ـ ٩٣) من سورة المائدة.
وقال الزمخشري في «ربيع الأبرار» انزل في الخمر ثلاث آيات : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما ...)(٣) ، فكان المسلمون بين شارب وتارك ، الى أن شربها رجل فدخل في صلاته فهجر ،
__________________
(١) انظر التبيان ٤ : ٧.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ١٦٦. ورواه في الميزان ٦ : ١١٤ ، ١١٥ عن الدر المنثور.
(٣) البقرة : ٢١٩.