وإذ وعد الله الحق في الآية الفاتحة أن يتلو عليهم ما يستثنيه من حلّ بهيمة الانعام ، وفى بهذا في الآية الثالثة إذ قال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ) ... (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
والمحرّمات الأربعة المذكورة في صدر هذه الآية ذكرت هنا مكرّرا للمرة الرابعة : الاولى في الآية (١٤) من الأنعام الخامسة والخمسين نزولا ، والآية (١١٥) من النحل السبعين نزولا والآية (١٧٣) من البقرة السابعة والثمانين نزولا ، وتماثلها حتى في ذيلها : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فالآية لا تشتمل من المحرّمات على جديد ، إلّا قوله هنا : (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ) ... (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ...) فهي وإن ذكرت لأول مرة هنا في هذه الآية لكنّها هي جميعا مصاديق الميتة.
فأين إكمال الدين ويأس الكفّار منه؟
وإذا تأمّلنا صدر الآية (ذلِكُمْ فِسْقٌ ...) ثم ذيلها : (فَمَنِ اضْطُرَّ) غير باغ ...
(فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وجدناها كلاما تاما غير متوقف في تمام معناه وإفادة المراد منه على شيء مما جاء في وسط الآية : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً).
وينتج من ذلك أنّ هذا كلام معترض موضوع في وسط تلك الآية ، غير متوقف عليه لفظ الآية في دلالتها وبيانها ، سواء قلنا إنّ الآية نازلة في وسط الآية