وقد حلّ معهم على الماء بنو جهيم من بني تميم وبنو عمرو من بني تميم. فأمر بجمع مواشي خزاعة ليأخذ منهم الصدقة ، فجمعت خزاعة الصدقة من كل ناحية ، فقال لهم بنو تميم : تؤخذ أموالكم منكم بالباطل؟! فقال الخزاعيون : نحن قوم ندين بدين الإسلام ، وهذا من ديننا. وقال التميميون : والله لا يصل إلى بعير منها أبدا! وتجمّعوا وتقلدوا أقواسهم وشهروا سيوفهم! فلما رآهم المصدّق خافهم فانطلق مولّيا وهرب منهم (١).
فقدم المصدّق على النبيّ صلىاللهعليهوآله فقال : يا رسول الله ، إنّما كنت في ثلاثة نفر. فوثبت خزاعة على التميميين فأخرجوهم من محالّهم وقالوا : لو لا قرابتكم ما وصلتم إلى بلادكم ، ليدخلنّ علينا بلاء من عداوة محمد وعلى أنفسكم حيث تعرضون لرسل رسول الله تردّونهم عن صدقات أموالنا. فخرجوا إلى بلادهم.
غزو الفزاري لبني تميم في المحرّم (٢) :
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : من لهؤلاء القوم الذين فعلوا ما فعلوا؟ فانتدب أوّل الناس عيينة بن حصن الفزاريّ فقال : أنا والله لهم ، أتبع آثارهم ولو بلغوا يبرين (في ديار بني سعد) حتى آتيك بهم إن شاء الله ، فترى فيهم رأيك.
فبعثه رسول الله صلىاللهعليهوآله في خمسين فارسا من العرب من غير المهاجرين والأنصار ، فكان يسير بالليل ويكمن لهم بالنهار ، خرج على ثنيّة ركوبة حتى انتهى إلى موضع العرج فوجدهم قد رحلوا إلى أرض بني سليم ، فخرج في أثرهم فوجدهم بعد السقيا في صحراء قد حلّوا وسرّحوا مواشيهم ، فلما رأوا الجمع ولّوا ، فأخذوا منهم أحد عشر رجلا ، وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيّا ، فحملهم إلى المدينة ، فحبسوا في دار رملة بنت الحارث.
__________________
(١) هذا سوى خبر الوليد بن عقبة مع بني وليعة أو بني المصطلق من خزاعة وسيأتي.
(٢) ذلك انّه إنمّا كان تمرّدا داخل الدولة الإسلامية لا غزوا.