فقال رسول الله لحسّان : قم يا حسّان فأجب. فقام وقال :
بني دارم لا تفخروا ، إنّ فخركم |
|
يعود وبالا عند ذكر المكارم |
هبلتم ، علينا تفخرون وأنتم |
|
لنا خول من بين ظئر وخادم (١) |
وأفضل ما نلتم من المجد والعلى |
|
ردافتنا من بعد ذكر الأكارم |
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم |
|
وأموالكم أن تقسموا في المقاسم |
فلا تجعلوا لله ندّا وأسلموا |
|
ولا تفخروا عند النبيّ بدارم |
وإلّا ـ وربّ البيت ـ مالت أكفّنا |
|
على هامكم بالمرهفات الصوارم |
فقام الأقرع بن حابس فقال : إنّ محمّدا لمؤتى له ، والله ما أدري ما هذا الأمر! تكلّم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا ، وتكلّم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر! ثمّ دنا منه صلىاللهعليهوآله فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. فقال له النبيّ : ما نصرك ما قبل هذا. ثمّ أعطاهم رسول الله وكساهم (٢).
وأورد الواقدي تفصيل عطائه قال : كان صلىاللهعليهوآله إذا قدم عليه وفد يجيزهم بعطاياه ويفاضل بينهم في ذلك بما يرى. وردّ على وفد بني دارم من تميم سبيهم وأساراهم ، وأمر لهم بجوائز ، فكانت جوائزهم لكلّ واحد منهم اثنا عشر أوقية فضّة ونصف الأوقية! فلمّا أعطوهم قال لهم : هل بقي منكم من لم نجزه؟ قالوا : غلام في الرحل. فقال : أرسلوه نجزه. فقال قيس بن عاصم : إنّه غلام لا شرف له (أي لا فضل له) فقال : وإن كان ، فإنّه وافد وله حقّ! فأرسلوه ، وهو عمرو بن الأهتم ، فأعطاه خمس أواقي (٣). ثمّ لم يذكروا من أمر صدقاتهم شيئاً! وعليه فالرسول صلّى الله عليه وآله لمّا امتنع هؤلاء من الزكاة غزاهم وسباهم ولم يقاتلهم ويقتلهم.
__________________
(١) هبلتم : هلكتم. خول : خدم. ظئر : مرضعة أو مربّية.
(٢) أسباب النزول للواحدي : ٣٢٦ ـ ٣٢٨.
(٣) مغازي الواقدي ٢ : ٩٧٩ ، ٩٨٠. والأوقية : ٢١٣ غراما. وابن إسحاق في السيرة