فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الوجه في حكم الشارع ـ هناك ـ بالأخذ بأحدهما هو أنّ الشارع أوجب الأخذ بكلّ من الخبرين المفروض استجماعهما لشرائط الحجيّة ، فإذا لم يمكن الأخذ بهما معا فلا بدّ من الأخذ بأحدهما. وهذا تكليف شرعي في المسألة الاصوليّة غير التكليف المعلوم تعلّقه إجمالا في المسألة الفرعيّة بواحد من الفعل والترك ، بل ولو لا النصّ الحاكم هناك بالتخيير أمكن القول به من هذه الجهة ، بخلاف ما نحن فيه ، إذ لا تكليف إلّا بالأخذ بما صدر واقعا في هذه الواقعة ، والالتزام به حاصل من غير حاجة إلى الأخذ بأحدهما بالخصوص.
ويشير إلى ما ذكرنا من الوجه قوله عليهالسلام في بعض تلك الأخبار : (بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك) (١). وقوله عليهالسلام : (من باب التسليم) إشارة إلى أنّه لمّا وجب على المكلّف
____________________________________
وجوب الأخذ بأحد الحكمين المستفادين من الخبرين المتعارضين بمناط رعاية الشارع للأحكام الواقعيّة ، فيجب الأخذ بها على قدر الإمكان ، وهو الأخذ بأحدهما في فرض تعارض الخبرين ، وهذا المناط جار في مطلق دوران الأمر بين المحذورين ، (وإن لم يكن على كلّ واحد منهما دليل معتبر معارض بدليل الآخر) كما في المقام ، حيث يكون دوران الأمر بين المحذورين ناشئا عن عدم النصّ ، فيجب الأخذ والالتزام بأحدهما لذلك المناط.
(فإنّه يمكن أن يقال : إنّ الوجه في حكم الشارع ـ هناك ـ بالأخذ بأحدهما) بالخصوص ليس بمناط رعاية الأحكام الواقعيّة كما توهّم ، بل المناط لوجوب الأخذ بأحدهما هو حجيّتهما بعد فرض اجتماع شرائط الحجيّة فيهما ، فإذا لم يمكن الأخذ بهما معا مع كون كلاهما حجّة ، فلا بدّ من الأخذ بأحدهما.
(وهذا تكليف شرعي في المسألة الاصوليّة) بخلاف ما نحن فيه ، حيث تكون المسألة مسألة فرعيّة.
(إذ لا تكليف إلّا بالأخذ بما صدر واقعا ... إلى آخره).
والالتزام بالواقع حاصل كما تقدّم ، والالتزام بأحدهما بالخصوص لم يدلّ عليه الدليل.
(ويشير إلى ما ذكرنا من الوجه ... إلى آخره) للتخيير في الخبرين المتعارضين
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٦ / ٧. الوسائل ٢٧ : ١٠٨ ، أبواب صفات القاضي ، ب ٩ ، ح ٦.