قلت : الإذن في فعلهما في هذه الصورة ـ أيضا ـ ينافي الأمر بالاجتناب عن العنوان الواقعي المحرّم ، لما تقدّم من أنّه مع وجود دليل حرمة ذلك العنوان المعلوم وجوده في المشتبهين لا يصحّ الإذن في أحدهما إلّا بعد المنع عن الآخر بدلا عن المحرّم الواقعي ، ومعناه
____________________________________
وثانيهما : ما يمكن ارتكابهما دفعة كشرب الإنائين المشتبهين بالخمر.
ومن هذه المقدّمة يتّضح لك الإشكال فيما إذا فرضنا المشتبهين ممّا لا يمكن ارتكابهما دفعة ، فنقول :
إنّ الغرض وهو الاجتناب عن أحدهما حال ارتكاب الآخر حاصل قهرا على هذا الفرض من دون حاجة إلى جعله بدلا عن الواقع ، ثمّ الأمر بالاجتناب عنه.
فما ذكر من أنّ إذن الشارع في أحدهما لا يحسن إلّا بعد الأمر بالاجتناب عن الآخر ... إلخ ، لا يرجع إلى محصّل ، بل إذن الشارع في ارتكاب كليهما ليس بقبيح ، فضلا عن إذنه في أحدهما ، فكما يصحّ من الشارع الإذن في ارتكابهما تدريجيا على نحو التخيير الاستمراري ، كذلك يصحّ إذنه في ارتكابهما دفعة في محلّ الفرض ، لأنّ الغرض من التخيير وهو ترك الآخر حين الارتكاب حاصل قهرا ، كما عرفت.
وعلى هذا فيجوز الإذن في ارتكاب كلا المشتبهين من دون حاجة إلى النهي عن أحدهما ، ولازمه جواز المخالفة القطعيّة التدريجيّة ، فيكون هذا الإشكال دليلا لمن يقول بجواز المخالفة القطعيّة فيما لا يمكن ارتكاب الأطراف دفعة ، كما هو ظاهر الرواية الثانية على ما عرفت.
وبالجملة ، إنّ ما ذكر في الجواب عن الإشكال السابق من أنّ إذن الشارع في أحدهما لا يحسن إلّا بعد الأمر بالاجتناب عن الآخر بدلا عن الحرام الواقعي لا يتمّ على إطلاقه ، بل إنّما يتمّ في صورة واحدة ، وهي فيما إذا أمكن ارتكابهما دفعة دون غيرها.
(قلت : الإذن في فعلهما في هذه الصورة) ، أي : صورة عدم إمكان ارتكاب المشتبهين دفعة (أيضا ينافي الأمر بالاجتناب عن العنوان الواقعي المحرّم ... إلى آخره).
وهذا الجواب من المصنّف قدسسره يتّضح بعد بيان أنّ التكليف بغير المقدور قبيح عقلا ، ولا يجوز شرعا ، فلا بدّ من أن يكون متعلّق التكليف مقدورا للمكلّف أيضا ، والمراد من المقدور ما يتمكّن المكلّف من فعله وتركه معا.