المنع عن فعله بعده ؛ لأنّ هذا هو الذي يمكن أن يجعله الشارع بدلا عن الحرام الواقعي ، حتى لا ينافي أمره بالاجتناب عنه ، إذ تركه في زمان فعل الآخر لا يصلح أن يكون بدلا [عن حرمته]. وحينئذ ، فإن منع في هذه الصورة عن واحد من الأمرين المتدرجين في الوجود لم يجز ارتكاب الثاني بعد ارتكاب الأوّل وإلّا لغي المنع المذكور.
فإن قلت : الإذن في أحدهما يتوقّف على المنع عن الآخر في نفس تلك الواقعة ، بأن يرتكبهما دفعة ، والمفروض امتناع ذلك في ما نحن فيه من غير حاجة إلى المنع ، ولا يتوقّف
____________________________________
وبعده يتّضح لك أنّ معنى المنع والنهي عن الآخر بدلا عن الحرام الواقعي فيما لا يمكن ارتكابهما دفعة هو المنع والنهي بعد ارتكاب الآخر ، حيث يتمكّن المكلّف من الفعل حينئذ ، لا المنع والنهي حال ارتكاب الآخر ، حيث لا يتمكّن المكلّف من الفعل بالفرض ، لأنّ النهي وهو التكليف بالترك ـ حينئذ ـ يكون لغوا ، وذلك لحصول الترك قهرا ، كما عرفت في الإشكال.
كما أنّ التكليف بالمنع ـ حينئذ ـ تكليف بغير مقدور ، وهو لا يصدر من عاقل فضلا عن الشارع الحكيم.
والحاصل ، إنّ الإذن في أحدهما لا يحسن إلّا بعد المنع عن الآخر بدلا عن الحرام الواقعي.
ثمّ إنّ المنع بمقتضى عدم جواز التكليف بغير المقدور يحمل على حال القدرة على الفعل ، والقدرة على الفعل فيما لا يمكن ارتكابهما دفعة هي بعد ارتكاب أحدهما ، وفيما إذا أمكن ارتكابهما دفعة ، هي حال ارتكاب الآخر ، فيصحّ فيه المنع حال ارتكاب أحدهما ، ولا يصحّ ـ حينئذ ـ الإذن في أحدهما والنهي عن الآخر بدلا عن الواقع ، إلّا على نحو التخيير الابتدائي لئلّا تلزم المخالفة القطعيّة ، فلا بدّ من أن يكون ما هو المتروك أوّلا بدلا عن الحرام الواقعي متروكا دائما كذلك.
فيرد ـ حينئذ ـ قول من يقول بجواز المخالفة القطعيّة التدريجية ، إذ لا تلزم حينئذ إلّا المخالفة الاحتماليّة.
(فإن قلت : الإذن في أحدهما يتوقّف على المنع عن الآخر في نفس تلك الواقعة ، بأن يرتكبهما دفعة ، والمفروض امتناع ذلك في ما نحن فيه) ، فلا يحتاج الإذن في أحدهما ، بل