واعلم أنّا لم نذكر في الشبهة التحريميّة من الشكّ في المكلّف به صور دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، لأنّ مرجع الدوران بينهما في تلك الشبهة ، إلى الشكّ في أصل التكليف ، لأنّ الأكثر معلوم الحرمة ، والشكّ في حرمة الأقلّ.
____________________________________
وهذا بخلاف المثال الثالث ، فإنّ الأكثر فيه وإن كان بشرط الزيادة ، إلّا أنّ الأقلّ فيه لم يؤخذ بشرط عدم الزيادة ، بل اخذ على نحو لا بشرط شيء ، ومن المعروف أنّ اللابشرط يجتمع مع الشرط ، ولا ينافيه ، حتى يكون ما اخذ بشرط شيء مباينا مع ما اخذ لا بشرط شيء.
(واعلم أنّا لم نذكر في الشبهة التحريميّة من الشكّ في المكلّف به صور دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر ، لأنّ مرجع الدوران بينهما في تلك الشبهة إلى الشكّ في أصل التكليف ، لأنّ الأكثر معلوم الحرمة ، والشكّ في حرمة الأقلّ).
وحاصل كلام المصنّف قدسسره هو الدفع لما يمكن أن يقال : إنّه قد ذكر في الشبهة الوجوبيّة صور دوران الواجب بين المتباينين وصور دورانه بين الأقلّ والأكثر ، مع أنّه لم يذكر في الشبهة التحريميّة في الشكّ في المكلّف به صور دوران الحرام بين الأقلّ والأكثر ، ومن هنا منشأ التوهّم ، حيث يقال : لما ذا ترك المصنّف قدسسره صور دوران الحرام بين الأقلّ والأكثر وذكر صور دوران الواجب بين الأقلّ والأكثر؟!
ولكن ممّا ذكره المصنّف قدسسره لم يبق مجال لهذا التوهّم ، وذلك أنّ دوران الحرام بين الأقلّ والأكثر يكون خارجا عن المقام ، لأنّ الشكّ فيه يرجع إلى الشكّ في أصل التكليف.
ومحلّ الكلام في المقام هو الشكّ في المكلّف به ، فدوران الحرام بين الأقلّ والأكثر يرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في أصل التكليف ، وإن كان الأقلّ والأكثر ارتباطيّين فضلا عن كونهما استقلاليّين ، إلّا أنّ ظاهر كلام المصنّف قدسسره في الأوّل بقرينة قوله : (لأنّ الأكثر معلوم الحرمة) ، فإنّ الأكثر يكون معلوم الحرمة فيما إذا دار الحرام بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين ، ومثاله هو نقش صورة الحيوان ذي الروح ، حيث يدور أمر الحرام فيه بين الأقلّ وهو نقش الصورة الناقصة ، وبين الأكثر وهو نقش الصورة الكاملة ، وحرمة الأكثر وهو نقش تمام الصورة معلومة ، وحرمة الأقلّ وهو نقش الناقص مشكوكة ، فتجري فيه البراءة ، وذلك لانحلال العلم الإجمالي إلى العلم التفصيلي بالنسبة إلى الأكثر ، والشكّ البدوي بالنسبة إلى الأقلّ.