الوجوب مقدّمي ، ومرجعه إلى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمّة ودفع احتمال ترتّب ضرر العقاب بترك بعض منهما ، وهذا الوجوب إرشادي ، لا تقرّب فيه أصلا ، نظير أوامر الإطاعة ، فإنّ امتثالها لا يوجب تقرّبا ، وإنّما المقرّب نفس الإطاعة ، والمقرّب هنا ـ أيضا ـ نفس الإطاعة الواقعيّة المردّدة بين الفعلين ، فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقّة.
____________________________________
لأنّ القربة لا تحصل إلّا بداعي الوجوب الواقعي ، كأن يقول المكلّف في مقام الامتثال : نأتي بهذا الواجب الواقعي متقرّبا به إلى الله تعالى ، فلا تحصل القربة بإتيان المشتبهين بقصد وداعي وجوبهما المقدّمي قربة إلى الله تعالى ، وإنّما يكون مرجع الوجوب المقدّمي وإتيان الفعل بداعيه إلى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمّة بعد العلم باشتغالها ، بمقتضى حكم العقل بالبراءة اليقينيّة بعد الاشتغال اليقيني ، كما أشار إليه المصنّف قدسسره بقوله :
(ومرجعه إلى وجوب تحصيل العلم بفراغ الذمّة ودفع احتمال ترتّب ضرر العقاب بترك بعض منهما ، وهذا الوجوب إرشادي ، لا تقرّب فيه أصلا).
حيث لا يترتّب على مخالفته وموافقته إلّا ما يترتّب على الفعل ، فإن كان واجبا في الواقع يترتّب على مخالفته استحقاق العقاب وعلى موافقته الثواب ، وإلّا فلا.
(نظير أوامر الإطاعة) كقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ)(١) (فإنّ امتثالها لا يوجب تقرّبا ، وإنّما المقرّب نفس الإطاعة).
وكذا في المقام حيث يكون الأمر بالاحتياط إرشادا إلى ما فيه مصلحة المكلّف من الإتيان بكلا المشتبهين دفعا لخطر مخالفة الواقع ، فإتيان كلّ واحد منهما طاعة لوجوب الاحتياط لا يوجب تقرّبا ، فلا يصلح أن يقصد به التقرّب.
(فافهم ، فإنّه لا يخلو عن دقّة).
ودقّق النظر حتى تعلم الفرق بين الوجوب المولوي والإرشادي من حيث المناط ، حيث إنّ المناط في الوجوب المولوي هو وجود المصلحة في نفس الفعل ، ولذلك قصد هذا الفعل المشتمل على المصلحة يوجب التقرّب ، وهذا بخلاف الوجوب الإرشادي ، حيث لم يكن المناط فيه هو المصلحة في الفعل ، بل المناط فيه هو مجرّد التنبيه والإرشاد
__________________
(١) محمّد صلىاللهعليهوآله : ٣٣.