لأنّ الأوّل منهما واجب بالإجماع ولو فرارا عن المخالفة القطعيّة ، والثاني واجب بحكم الاستصحاب المثبت للوجوب الشرعي الظاهري ، فإنّ مقتضى الاستصحاب بقاء الاشتغال وعدم الإتيان بالواجب الواقعي وبقاء وجوبه.
قلت : أمّا المحتمل المأتي به أوّلا فليس واجبا في الشرع لخصوص كونه ظهرا أو جمعة ، وإنّما وجب لاحتمال التحقّق الواجب به الموجب للفرار عن المخالفة ، أو للقطع بالموافقة إذا أتى معه بالمحتمل الآخر ، وعلى أيّ تقدير فمرجعه إلى الأمر بإحراز الواقع ولو احتمالا.
____________________________________
المصنّف قدسسره بقوله :
(لأنّ الأوّل منهما واجب بالإجماع ... إلى آخره).
فرارا عن المخالفة القطعيّة على فرض إرادة ترك الثاني عند من يقول بحرمتها فقط ، وتحصيلا للموافقة القطعيّة على فرض إرادة فعل الثاني عند من يقول بوجوبها.
(والثاني واجب بحكم الاستصحاب).
أي : استصحاب بقاء اشتغال الذمّة بالتكليف المعلوم إجمالا ، وعدم الخروج عن عهدته بإتيان أحدهما فقط.
(قلت : أمّا المحتمل المأتي به أوّلا فليس واجبا في الشرع ... إلى آخره).
وحاصل الجواب : إنّ ما ذكر من الإجماع على وجوب المحتمل الأوّل قابل للمنع من وجوه :
الأوّل : إنّ الإجماع لم يقم على وجوب المحتمل الأوّل بعنوان أنّه المحتمل الأوّل حتى يثبت به وجوبه ؛ وذلك لأنّ المحتمل الأوّل إنّما وجب لاحتمال تحقّق الواجب الواقعي به.
والثاني : إنّ هذا الإجماع ليس بحجّة أصلا ، لأنّ هذه المسألة عقليّة وقد ثبت في محلّه أنّ الإجماع في المسألة العقليّة ليس بحجّة ، وذلك لأنّ الملاك في حجيّة الإجماع عند الإماميّة هو كونه كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام ، ومعلوم أنّ الإجماع في المسألة العقليّة ليس كاشفا عن قول المعصوم عليهالسلام.
والثالث : على فرض كشف الإجماع في المسألة العقليّة عن حكم شرعي ، فإنّه لا يكشف عن حكم شرعي مولوي ، بل يكشف عن حكم شرعي إرشادي على طبق حكم العقل ، وعلى هذا يكون وجوب المحتمل الأوّل وجوبا مقدّميّا إرشاديا لا وجوبا نفسيّا