وأمّا المحتمل الثاني فهو ـ أيضا ـ ليس إلّا بحكم العقل من باب المقدّمة.
وما ذكر من «الاستصحاب» ، فيه ـ بعد منع جريان الاستصحاب في هذا المقام من جهة حكم العقل من أوّل الأمر بوجوب الجميع ، إذ بعد الإتيان بأحدهما يكون حكم العقل باقيا قطعيّا ، وإلّا لم يكن حاكما بوجوب الجميع وهو خلاف الفرض ـ : أنّ مقتضى الاستصحاب وجوب البناء على بقاء الاشتغال حتى يحصل اليقين بارتفاعه.
أمّا وجوب تحصيل اليقين بارتفاعه فلا يدلّ عليه الاستصحاب ، وإنّما يدلّ عليه العقل المستقلّ بوجوب القطع بتفريغ الذمّة عند اشتغالها ، وهذا معنى الاحتياط ، فمرجع الأمر إليه.
وأمّا استصحاب وجوب ما وجب سابقا في الواقع ، أو استصحاب عدم الإتيان بالواجب
____________________________________
حتى يكون مصحّحا لنيّة الوجه والقربة.
(وأمّا المحتمل الثاني فهو ـ أيضا ـ ليس إلّا بحكم العقل من باب المقدّمة).
أي : المحتمل الثاني ، فليس واجبا إلّا بالوجوب المقدّمي الذي يحكم به العقل من باب المقدّمة العلميّة ، وأمّا الاستصحاب فقابل للمنع من وجهين :
الأوّل : ما أشار إليه بقوله :
(فيه بعد منع جريان الاستصحاب في هذا المقام من جهة حكم العقل من أوّل الأمر بوجوب الجميع).
وحاصل هذا الوجه أنّ المسألة في المقام عقليّة ، والعقل يحكم من الأوّل بوجوب كلا المحتملين ، مضافا إلى أنّه لا يعقل الشكّ في مورد حكم العقل حتى يتمسّك بالاستصحاب.
والثاني : ما أشار إليه بقوله :
(إنّ مقتضى الاستصحاب وجوب البناء على بقاء الاشتغال حتى يحصل اليقين بارتفاعه ... إلى آخره).
وملخّص هذا الوجه أنّ الاستصحاب إنّما يجري ويكون حجّة فيما إذا كان المستصحب بنفسه حكما شرعيّا أو يترتّب عليه حكم شرعي من دون واسطة أصلا ، والمستصحب في المقام ـ وهو بقاء اشتغال الذمّة ـ ليس حكما شرعيّا ، وما يترتّب عليه ـ وهو وجوب تحصيل اليقين بفراغ الذمّة والقطع ببراءتها ـ ليس حكما شرعيّا ، وإنّما هو حكم عقلي ، والاستصحاب فيه ليس بحجّة ، كما لا يخفى.