لا يقال : بقي هنا أصل آخر ، وهو أن يكون الخطاب الوارد في الواقعة موافقا للبراءة الأصليّة.
لأنّا نقول : هذا الكلام ممّا لا يرضى به لبيب ، لأن خطابه تعالى تابع للمصالح والحكم ، ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة ـ إلى أن قال : ـ هذا الكلام ممّا لا يرتاب في قبحه ، نظير أن يقال : الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل والعلوّ ، ومن المعلوم بطلان هذا المقال.
____________________________________
بين حكم العقل وحكم الشرع ، وذلك لاحتمال الحرمة والوجوب في كلّ واقعة ، واحتمال قبح محتمل الحرمة عقلا الملازم للحكم بالحرمة شرعا. فإذا لم يصحّ التمسّك بالبراءة الأصليّة ، كان مقتضى الأخبار هو وجوب التوقّف أو الاحتياط مطلقا.
(لا يقال : بقي هنا أصل آخر ، وهو أن يكون الخطاب الوارد في الواقعة موافقا للبراءة الأصليّة).
أي : يرد على ما تقدّم من أنّ التمسّك بالبراءة الأصليّة إنّما يصحّ قبل إكمال الدين لا بعده ، ويقال : إن التمسّك بها يصحّ حتى بعد إكمال الدين وذلك لاحتمال أن يكون الحكم الشرعي في واقعة موافقا لما قبل الشرع من عدم الحرمة ـ مثلا ـ الذي تقتضيه البراءة الأصليّة ، فلا يجب ـ حينئذ ـ أن يكون الخطاب الوارد في المشتبه هو الوجوب أو الحرمة ، بل الأصل موافقته لما قبل الشرع ، وبذلك لا تبقى منافاة بين إكمال الدين والبراءة الأصليّة.
(لأنّا نقول : هذا الكلام ممّا لا يرضى به لبيب ، لأنّ خطابه تعالى تابع للمصالح والحكم ، ومقتضيات الحكم والمصالح مختلفة ... إلى آخره).
وحاصل ما أجاب به عن الإيراد المذكور هو أنّ حكم الشارع على مذهب العدليّة تابع للمصالح والحكم ، ومن المعلوم أنّ مقتضيات المصالح مختلفة ، فحينئذ لا يمكن أن يكون الحكم الشرعي بعد الشرع وإكمال الدين موافقا لما قبل الشرع من الحكم غير الشرعي ، إذ الحكم بعد الشرع تابع للمصلحة ، فإذا كانت في الفعل تقتضي الوجوب ، وإذا كانت في الترك تقتضي الحرمة ، فالخطاب الوارد من الشارع في الفعل المشتبه حكما لا يخلو من الوجوب أو الحرمة ، فما ذكر في الإشكال من أصالة موافقة ما بعد الشرع لما قبله فاسد.
كما أنّ القول بأن الأصل في الأجسام تساوي نسبة طبائعها إلى جهة السفل والعلوّ