والعمدة فيما ذكره هذا المحدّث من أوّله إلى آخره ، تخيّله أنّ مذهب المجتهدين التمسّك بالبراءة الأصليّة لنفي الحكم الواقعي ، ولم أجد أحدا يستدلّ بها على ذلك.
نعم ، قد عرفت سابقا أنّ ظاهر جماعة من الإماميّة جعل أصل البراءة من الأدلّة الظنيّة ، كما تقدّم في المطلب الأوّل استظهار ذلك من صاحبي المعالم والزبدة.
لكنّ ما ذكره من إكمال الدين لا ينفي حصول الظنّ بجواز دعوى أنّ المظنون بالاستصحاب أو غيره موافقة ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله للبراءة. وما ذكره من تبعيّة خطاب الله
____________________________________
ولكون الحسن والقبح أو الوجوب والتحريم عقليّين أو شرعيّين في ذلك ... إلى آخره).
وقد أجاب المصنّف قدسسره عمّا أفاده المحدّث الاسترآبادي قدسسره في المقام بما حاصله :
من أنّ التمسّك بأصل البراءة ليس لنفي الحكم الواقعي ، بل لنفي تنجّز التكليف على المكلّف مع بقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه من الوجوب أو الحرمة ، وذلك لأنّ العقل يحكم بقبح التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، ومن المعلوم أنّ نفي تنجّز التكليف ظاهرا بحكم العقل على قبح العقاب بلا بيان لا ينافي إكمال الدين ، لأنّ مقتضى إكمال الدين هو ثبوت الحكم لكل واقعة في الواقع ، ومقتضى أصل البراءة هو نفي تنجّزه عن الجاهل في الظاهر ، فلا دخل لأصل البراءة بإكمال الدين وعدمه ، ولا بكون الحسن والقبح الذاتيّين وعدمهما ولا بالملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع وعدمها ، كما أشار إلى الملازمة بقوله :
(أو الوجوب والتحريم عقليّين) وإلى عدمها بقوله : (أو شرعيّين) بل يصحّ التمسّك بأصل البراءة على جميع التقادير المذكورة.
فما تخيّله المحدّث الاسترآبادي من أنّ مذهب المجتهدين هو التمسّك بأصل البراءة لنفي الحكم الواقعي لا يرجع إلى محصّل صحيح ، إذ لم يوجد أحد يستدلّ بها على ذلك.
نعم ، يظهر من جماعة من الإماميّة ـ كصاحبي المعالم والزبدة ـ جعل أصل البراءة من الأدلّة الظنيّة ، فيكون استصحاب البراءة عندهم مفيدا للظنّ بعدم الحكم الواقعي ، ولا يرد عليهم اعتراض المحدّث الاسترآبادي ، لأنّ ما ذكره المحدّث من إكمال الدين لا ينفي حصول الظنّ من استصحاب البراءة بعدم الحكم الإلزامي لجواز أن يكون المظنون بالاستصحاب موافقا لما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله.