فرض كون وجود المتيقّن قبل الشكّ غير مجد في الاحتياط ، نعم ، لو قلنا بالأصل المثبت وأنّ استصحاب الاشتغال بعد الإتيان بالأقلّ يثبت كون الواجب هو الأكثر فيجب الإتيان به أمكن الاستدلال بالاستصحاب.
لكن يمكن أن يقال : إنّا نفينا في الزمان السابق وجوب الأكثر لقبح المؤاخذة من دون بيان ، فتعيّن الاشتغال بالأقلّ ، فهو منفي في الزمان السابق ، فكيف يثبت في الزمان اللاحق؟
____________________________________
مندفع بأحد وجهين ؛ وذلك لأنّ المستصحب ـ حينئذ ـ لا يخلو عن أحد احتمالين :
أحدهما : أن يكون المراد به في استصحاب الاشتغال حكم العقل بوجوب الاحتياط ووجوب إتيان الكلّ.
وثانيهما : أن يكون المراد بالمستصحب وجوب المردّد بين الأقلّ والأكثر.
فإن كان المراد منه هو الأوّل ، فيردّ عليه : إنّ حكم العقل بوجوب الاحتياط من جهة وجوب المقدّمة العلمية ووجوب دفع الضرر المحتمل ممّا لا يعرضه الشكّ ، فكيف يجري فيه الاستصحاب مع أنّه موقوف على الشكّ؟.
وإن كان المراد منه هو الثاني ، ففيه : إنّ بقاء وجوب الأمر المردّد بالاستصحاب لا يجدي في وجوب الاحتياط ؛ وذلك لأنّ العلم بوجوب الأمر المردّد قبل الإتيان بالأقلّ لم يكن مقتضيا لوجوب الاحتياط ، فكيف يكون مقتضيا له بعد الإتيان بالأقلّ مع كونه مشكوكا؟ ، نعم ، يمكن الاستدلال بالاستصحاب على وجوب الاحتياط على القول بحجيّة الأصل المثبت ، إذ يثبت بالاستصحاب ـ حينئذ ـ كون الواجب هو الأكثر ، إذ بعد الحكم ببقاء وجوب الأمر المردّد بالاستصحاب يثبت أن يكون الواجب هو الأكثر ، فيجب الإتيان به حينئذ.
(لكن يمكن أن يقال) : إنّ الاستدلال بالاستصحاب على وجوب الاحتياط ـ على القول بحجيّة الأصل المثبت ـ صحيح في المتباينين ، ولا يصح في ما نحن فيه ، كما أشار إليه قدسسره : (إنّا نفينا في الزمان السابق وجوب الأكثر بقبح المؤاخذة من دون بيان).
والحاصل ، إنّا قد نفينا قبل إتيان الأقلّ وجوب الأكثر بدليل البراءة ، فكيف يثبت وجوبه في الزمان اللاحق بالاستصحاب؟! هذا تمام الكلام في عدم جريان الاستصحاب في المقام ولو فرض جريانه في المتباينين.