وأمّا عدم الدليل دليل للعدم ، فالمستند فيه عندهم شيء آخر ، ذكره كلّ من تعرّض لهذه القاعدة ، كالشيخ وابن زهرة والفاضلين والشهيد وغيرهم ، ولا اختصاص له بالحكم التكليفي والوضعي.
____________________________________
هو مستند عدم الدليل دليل العدم.
ويمكن أن يقال : إنّ مستند أصل العدم ـ أيضا ـ هو شيء آخر ، وهو أدلّة الاستصحاب في باب الأحكام الشرعيّة وبناء العقلاء وأهل اللّسان في باب الألفاظ ، فكما لا اختصاص لأصل العدم بالأحكام الشرعيّة ـ كما عرفت ـ فكذلك لا اختصاص لعدم الدليل دليل العدم بالحكم التكليفي والوضعي ، بل يجري في مسألة النبوّة وأمثالها أيضا ، فإذا لم يأت من يدّعي النبوة بمعجزة تدلّ على صدق دعواه يحصل من عدم الدليل على نبوّته القطع بعدم النبوّة.
ولغلام رضا قدسسره في هذا المقام كلام لا بأس بذكره ، حيث قال في شرح قول المصنّف قدسسره : (ففيه : إنّ أوّل ما يظهر للمتفحّص في هذا المقام) ما هذا لفظه : «أقول : شرح هذا الكلام موقوف على بيان النسبة بين مفاد هذه الأخبار ومورد الأصلين المذكورين ، وهي لا تخلو عن أحد وجوه :
أحدها : أن تكون النسبة بينهما هي التباين الكلّي ، بأن يقال : إنّ مورد هذه الروايات ـ كما هو المستفاد من لفظ الرفع والوضع المأخوذ فيها ـ إنّما هو ما إذا كان المقتضي للحكم موجودا تحقيقا ، فيرتفع في صورة الجهل والخطأ والنسيان بهذه الأخبار ، وهذا بخلاف الأصلين فإنّ موردهما صورة عدم المقتضي للحكم ولو توهّم ثبوته.
وثانيها : أن يكون مورد الروايات أعمّ ممّا وجد فيه المقتضي من موردهما ، ولعلّ قوله قدسسره : (مع تباينهما الجزئي) إشارة إليه وإن لم يكن التعبير به جاريا على اصطلاح أهل الميزان ، بأن يقال : إنّ مورد الروايات أعمّ ممّا وجد فيه المقتضي للحكم تحقيقا أو توهّما ، بخلاف الأصلين ، وحينئذ تكون جميع موارد الأصلين موردا للأخبار ، ولا عكس ، كما إذا وجد فيه المقتضي للتكليف والحكم الوضعي محقّقا ، فإنّه تجري فيه الأخبار بخلاف الأصلين.
ثالثها : أن تكون النسبة بينهما عموما من وجه ، مادّة الافتراق من طرف الأخبار ما مضى