كأمره بالانقياد الحقيقي والإطاعة الواقعيّة في معلوم التكليف إرشادي محض ، لا يترتّب على موافقته ومخالفته أزيد ممّا يترتّب على نفس وجود المأمور به أو عدمه ، كما هو شأن الأوامر الإرشاديّة ، فلا إطاعة لهذا الأمر الإرشادي ، ولا ينفع في جعل الشيء عبادة. كما أنّ إطاعة الأوامر المتحقّقة لم تصر عبادة بسبب الأمر الوارد بها في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)(١).
____________________________________
وتقريب هذه الدعوى : إنّ حكم العقل بحسن إتيان محتمل الوجوب احتياطا اتّفاقي لا إشكال فيه ، كما نفى عنه الإشكال بقوله : (إنّه لا إشكال في رجحان الاحتياط بالفعل ... إلى آخره).
ونكشف أمر الشارع بالاحتياط بقاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع ، ثمّ يأتي المكلّف بمحتمل العبادة بقصد امتثال هذا الأمر ، فيتم الاحتياط في العبادات.
وهذه الدعوى مدفوعة :
أوّلا : لما تقدّم في الأمر الأوّل من أنّ الاحتياط في العبادات يتوقّف على الأمر ، وحكم العقل بالحسن لا يكون إلّا بعد تحقّق الاحتياط وهو منتف بانتفاء الأمر ، فكيف يحكم العقل بالحسن؟! وبذلك يختصّ حكم العقل بحسن الاحتياط في التوصّليّات فقط لإمكان جريان الاحتياط فيها دون التعبديّات.
وثانيا : بما تقدّم في الشبهة التحريميّة ، من أنّ الأمر الشرعي بهذا النحو من الانقياد ، كأمره بالانقياد الحقيقي إرشادي محض ، فيكون خارجا عن المقام أصلا.
وما ذكر من الملازمة على تقدير تسليمها إنّما هي بين حكم العقل في جانب علل الأحكام وتبعيّتها للمصالح والمفاسد وبين حكم الشرع ، وذلك كحكم العقل بحسن الإحسان وقبح الظلم حيث يكون ملازما لحكم الشرع بالأمر بالإحسان والنهي عن الظلم.
وأمّا حكم العقل في جانب معلولات الأحكام ، فلا يكون ملازما له ، كما ذكر في محلّه ، وذلك كحكم العقل بلزوم الإطاعة في موارد العلم بالتكاليف الشرعيّة ، وحكمه بحسن الاحتياط في موارد الشكّ فيها ، حيث يكون حكم العقل بالإطاعة ـ حقيقيّة كانت كموارد
__________________
(١) الأنفال : ١.