ويحتمل الجريان بناء على أن هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقّفها على ورود أمر بها.
____________________________________
العلم بالتكاليف ، أو حكميّة كموارد الشكّ فيها ـ معلولا للحكم الشرعي ، وإلّا لا معنى للإطاعة أصلا.
فإن ورد أمر من الشارع بالاحتياط في موارد الشكّ في التكليف ، وبالإطاعة في موارد العلم به كقوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) كان إرشاديا ، فلا يترتّب على موافقته ولا على مخالفته إلّا ما يترتّب على وجود المأمور به وعدمه ، كما هو شأن الأوامر الإرشاديّة.
وبالجملة ، الأمر بالاحتياط على فرض الأمر به إرشادي ، لا ينفع في جعل الشيء عبادة ، فعباديّة الدعاء لا تحصل بالأمر بالاحتياط ، كما أنّ عباديّة الصلاة لا تحصل من الأمر بالإطاعة في قوله تعالى : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) بل تتحقّق عباديّتها بالأمر المولوي المتعلّق بنفس الصلاة في قوله تعالى : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) وفي قول النبيّ صلىاللهعليهوآله : (صلّوا كما رأيتموني اصلّي) (٢).
ومنها : ما أشار إليه بقوله : (ويحتمل الجريان بناء على أنّ هذا المقدار من الحسن العقلي يكفي في العبادة ومنع توقّفها على ورود أمر بها).
وملخّص هذا الوجه لجريان الاحتياط في العبادات هو كفاية مطلق الحسن العقلي في كون الشيء عبادة ، ولا يحتاج إلى الأمر المتعلّق بها ولو احتمالا ، حتى يتوقّف الاحتياط فيها على قصد امتثال ذلك الأمر ، بل يكفي في الاحتياط في العبادة إتيان محتمل الوجوب بداعي كونه محبوبا للمولى ، وإن لم يكن مأمورا به في الواقع ، ولكنه مردود بما ذكرنا في الجواب عن الوجه الأوّل والثاني ، من أنّ حكم العقل بحسن الاحتياط يتوقّف على تحقّقه.
وحينئذ لو قلنا بأنّ تحقّق الاحتياط موقوف على حكم العقل بالحسن لزم الدور ـ كما لا يخفى ـ فالأولى أن يقال : إنّ حكم العقل بحسن الاحتياط مختصّ بالاحتياط في التوصّليّات فقط.
__________________
(١) الروم : ٣١.
(٢) غوالي اللآلئ ١ : ١٩٨ / ٨. البحار ٨٢ : ٢٧٩. صحيح البخاري ١ : ٢٢٦ / ٦٠٥.