ولكنّ الإنصاف : إنّ أخبار التخيير حاكمة على هذا الأصل وإن كان جاريا في المسألة الاصوليّة ، كما أنّها حاكمة على تلك الاصول الجارية في المسألة الفرعيّة ؛ لأنّ مؤدّاها بيان حجيّة أحد المتعارضين كمؤدّى أدلّة حجّيّة الأخبار.
ومن المعلوم حكومتها على مثل هذا الأصل ، فهي دالّة على مسألة اصوليّة ، وليس مضمونها حكما عمليّا صرفا.
فلا فرق بين أن يرد في مورد هذا الدليل المطلق : «اعمل بالخبر الفلاني المقيّد لهذا المطلق» وبين قوله : «اعمل بأحد هذين المقيّد أحدهما له».
____________________________________
أخبار التخيير واردة أو حاكمة على تلك الاصول على الخلاف في المبنى.
وهذا بخلاف أصالة الإطلاق حيث إنّ مفادها البناء على وجود قول الشارع وهو : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ)(١) مثلا في المسألة التي تعارض فيها النصّان ، فتكون واردة أو حاكمة على أخبار التخيير ؛ لأنّ موضوعها هو المتحيّر الفاقد للدليل في المسألة ، وأصالة الإطلاق تجعل قول الشارع دليلا مخرجا عن التحيّر في تلك المسألة.
(ولكنّ الإنصاف : إن أخبار التخيير حاكمة على هذا الأصل وإن كان جاريا في المسألة الاصوليّة) وإن كان اعتباره من باب الظنّ والظهور دون التعبّد ؛ لأنّ الإطلاق معلّق على عدم الدليل على التقييد ، وأخبار التخيير تقتضي حجيّة الخبر المخالف للمطلق ، فتجعله مقيّدا ، فكيف يرجع إلى الإطلاق بعد ثبوت التقييد بأخبار التخيير؟ ، فتجويز الأخذ بالخبر المخالف بمقتضى التخيير ينافي البناء على أصالة الإطلاق.
وبالجملة ، إنّ أخبار التخيير كما تكون حاكمة على الاصول العمليّة الجارية في المسألة الفرعيّة كذلك تكون حاكمة على هذا الأصل وإن كان جاريا في المسألة الاصولية ، إذ مع الدليل على التقييد لا تجري أصالة الإطلاق ، سواء كان الدليل على التقييد على نحو التخيير أو على نحو التعيين ، كما أشار إليه قدسسره بقوله :
(فلا فرق بين أن يرد في مورد هذا الدليل المطلق : «اعمل بالخبر الفلاني المقيّد لهذا المطلق») ، كخبر زرارة الدالّ على وجوب الاستعاذة مثلا (وبين قوله : «اعمل بأحد هذين
__________________
(١) البقرة : ١١٠.