علمه عن العباد (١).
والحاصل : إنّ أدلّة البراءة من العقل والنقل إنّما تنفي الكلفة الزائدة الحاصلة من فعل المشكوك والعقاب المترتّب على تركه ، مع إتيان ما هو معلوم الوجوب تفصيلا ، فإنّ الآتي بالصلاة بدون التسليم المشكوك في وجوبه معذور في ترك التسليم لجهله ، وأمّا الآتي بالرقبة الكافرة فلم يأت في الخارج بما هو معلوم له تفصيلا حتى يكون معذورا في الزائد المجهول ، بل هو تارك للمأمور به رأسا.
وبالجملة : فالمطلق والمقيّد من قبيل المتباينين لا الأقلّ والأكثر.
____________________________________
حتى يقال وجوب الرقبة متيقّن ووجوب الإيمان مشكوك ، فالعقاب والمؤاخذة عليه قبيح.
(ولو مقدّمة) ، أي : ولا يعقل للإيمان وجود مقدّمي ؛ لأنّ الرقبة المؤمنة فرد لمطلق الرقبة ، ومن المعلوم أنّ الفرد ليس مقدّمة للكلّي (فلا يندرج فيما حجب الله علمه عن العباد) ، يعني : لا يندرج القيد عند الشكّ في وجوب المقيّد فيما حجب علمه عن العباد ؛ لعدم استقلاله في الوجود حتى يتعلّق به العلم أو الجهل.
فالذي عتق الرقبة الكافرة لم يكن معذورا على تقدير كون الواجب في الواقع هو عتق الرقبة المؤمنة ، بل تارك للمأمور به رأسا ، فحينئذ يكون المطلق والمقيّد من قبيل المتباينين ، فيجب فيه الاحتياط ، كما أشار إليه قدسسره بقوله :
(وبالجملة : فالمطلق والمقيّد من قبيل المتباينين لا الأقلّ والأكثر).
وحاصل الفرق بين الشكّ في شرطيّة شيء كالطهارة للصلاة وبين قيديّة الشيء كالإيمان للرقبة هو أنّ الشكّ في الشرطيّة يكون من قبيل الشكّ في الجزئيّة ، حيث إنّ وجود الشرط ولو باعتبار منشأ انتزاعه مغاير لوجود المشروط ، فيكون الشكّ في وجوبه شكّا في وجوب أمر زائد على المتيقّن وهو وجوب المشروط.
ولهذا تجري فيه البراءة كما تجري في الشكّ في الجزئيّة ، وهذا بخلاف الشكّ في القيديّة في المطلق ، حيث إنّ القيد ليس مغايرا للمقيّد في الوجود الخارجي ، بل متحد معه ، فلا يكون الشكّ في وجوبه شكّا في أمر زائد على وجوب المقيّد حتى تجري فيه
__________________
(١) التوحيد : ٤١٣ / ٩. الوسائل ٢٧ : ١٦٣ ، أبواب صفات القاضي ، ب ١٢ ، ح ٣٣.