لأنّ موضوع التقوى والاحتياط الذي تتوقّف عليه هذه الأوامر لا يتحقّق إلّا بعد إتيان محتمل العبادة على وجه يجتمع فيه جميع ما يعتبر في العبادة حتى نيّة التقرّب ، وإلّا لم يكن احتياطا ، فلا يجوز أن تكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنويّة فيها ، اللهم إلّا أن يقال : ـ بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعيّة بالعبادات مثل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)(١) حيث أنّ قصد القربة ممّا يعتبر في موضوع العبادة شطرا أو شرطا ، والمفروض ثبوت مشروعيّتها بهذا الأمر الوارد فيها ـ إنّ المراد من الاحتياط والاتّقاء في هذه الأوامر هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة ، فمعنى الاحتياط بالصلاة
____________________________________
موقوف على الاحتياط ، لتوقّف كلّ حكم على موضوعه ، وهذا هو الدور الواضح ، وقد أشار إليه بقوله :
(فلا يجوز أن تكون تلك الأوامر منشأ للقربة المنويّة فيها ، اللهم إلّا أن يقال ـ بعد النقض بورود هذا الإيراد في الأوامر الواقعيّة بالعبادات مثل قوله : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) ... إلى آخره).
وقد أجاب المصنّف قدسسره عن لزوم الدور بالنقض تارة وبالحلّ اخرى.
أمّا النقض فهو أنّ إيراد الدور لا يختصّ بأوامر الاحتياط ، بل يأتي ويجري في الأوامر الواقعيّة بالعبادات أيضا ، ك (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) مثلا ، حيث يكون قصد القربة معتبرا فيها شطرا أو شرطا ، والمفروض أنّ ثبوت مشروعيّتها وكونها عبادة هو بنفس الأمر المتعلّق بها ، فيلزم ما ذكر من الدور ، وذلك ؛ لأنّ كون الصلاة عبادة موقوف على الأمر بها لاعتبار قصد القربة فيها ، والأمر بها موقوف على كونها عبادة لتوقّف الحكم على الموضوع ، وحينئذ لا بدّ من الجواب الحلّي في كلا الموردين.
وقد أجاب بالحلّ عن الاحتياط ، ومنه يعلم الجواب عن العبادات الواقعيّة ، فأشار إليه بقوله :
(إنّ المراد من الاحتياط والاتّقاء في هذه الأوامر هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة).
__________________
(١) البقرة : ١١٠.