والتحقيق أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحة العبادة في ما لا يعلم المطلوبيّة ولو إجمالا فهو ، وإلّا فما أورده رحمهالله في الذكرى كأوامر الاحتياط لا يجدي في صحتها.
____________________________________
الوجوب احتياطا ، فإنّ مقتضى التقوى والخوف من الله تعالى هو الإتيان بمحتمل الوجوب ، وهو المطلوب ، كما تدلّ عليه هذه الآيات ، فإذا أتى المكلّف بمحتمل الوجوب خوفا من الله تعالى ، فقد اتّقى الله حقّ تقاته.
ولعلّ ما ذكرناه أولى ممّا ذكره الاستاذ الاعتمادي حيث جعل آيات الاتّقاء وجها خامسا لتصحيح الاحتياط في العبادات ؛ وذلك لأنّ المستفاد من ظاهر كلام المصنّف قدسسره هو أن نظره كان إلى استدلال الشهيد لا إلى ما استدلّ به ، فأراد أن يجعل استدلاله دليلا على تصحيح الاحتياط في العبادات كسيرة العلماء والصلحاء ، فتدبّر حتى تعرف أنّ الظاهر هو عطف قوله : واستدلّ في الذكرى ، على قوله : استقرّت سيرة العلماء ... إلى آخره.
(والتحقيق أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحّة العبادة في ما لا يعلم المطلوبيّة ولو إجمالا فهو ... إلى آخره).
وحاصل كلام المصنّف قدسسره هو أنّه إن قلنا بكفاية احتمال المطلوبيّة في صحّة العبادة ، لكان الاحتياط فيها صحيحا ، وكان الاستدلال بما ذكر من سيرة العلماء واستدلال الشهيد في الذكرى في محلّه ، وإلّا فلا يصحّ الاستدلال بالسيرة ، وما في الذكرى.
أما عدم صحّة الاستدلال بالسيرة فواضح ، ولم يتعرّضه المصنّف قدسسره ، فإنّ السيرة جرت على استحباب الفعل من حيث هو هو ، ومحلّ الكلام هو استحبابه بعنوان الاحتياط.
وأما عدم صحّة الاستدلال بما في الذكرى ، فقد أشار إليه بقوله :
(فما أورده رحمهالله في الذكرى كأوامر الاحتياط لا يجدي في صحّتها).
أوّلا : لما تقدّم من أن أوامر الاحتياط كأوامر الإطاعة إرشادية وهي خارجة عن المقام.
وثانيا : على فرض كونها مولويّة ، لم تكن مجدية في صحّة العبادة ؛ وذلك لأنّ إثبات صحّة الاحتياط في العبادات بأوامر الاحتياط والاتّقاء مستلزم للدور الباطل ، وذلك لأنّ موضوع هذه الأوامر هو الاحتياط والتقوى لا يتحقّق إلّا بها ؛ لأنّ الاحتياط كالتقوى هو الإتيان بمحتمل العبادة مع جميع ما يعتبر فيه ، ومنه قصد القربة المتوقّف على وجود الأمر ، فالاحتياط موقوف على الأمر من باب توقّف المقيّد على القيد ، والأمر ـ أيضا ـ