فإنّ الحديث الثاني وإن كان أخصّ من الأوّل وكان اللّازم تخصيص الأوّل به والحكم بعدم وجوب التكبير ، إلّا إنّ جوابه ، صلوات الله عليه وعلى آبائه ، بالأخذ بأحد الحديثين من باب التسليم يدلّ على أنّ الحديث الأوّل نقله الإمام عليهالسلام بالمعنى وأراد شموله لحالة الانتقال من القعود إلى القيام ، بحيث لا يتمكّن إرادة ما عدا هذا الفرد منه ، فأجاب عليهالسلام بالتخيير.
ثمّ إنّ وظيفة الإمام وإن كانت إزالة الشبهة عن الحكم الواقعي ، إلّا إنّ هذا
____________________________________
((وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا) الخبر).
فالمستفاد من هذا الكلام هو التخيير في مورد تعارض النصّين ، وهو المطلوب ، إذ به يردّ ما تقدّم من وجوب الاحتياط في كلام المحدّثين المذكورين.
والتوقيع يحتاج إلى الدقّة ، لأنّ حكم الإمام عليهالسلام بالتخيير لا ينسجم مع ظاهر الحديثين ، لأنّ ظاهرهما هو إمكان الجمع بينهما بتخصيص الحديث الأوّل بالحديث الثاني ، لأنّ النسبة بينهما هي العموم والخصوص ، والحديث الثاني أخصّ من الأوّل ، لأنّ الحديث الأوّل يدلّ على وجوب التكبير في مطلق الانتقال من حالة إلى اخرى ، فيشمل الانتقال من التشهد الأوّل إلى الركعة الثالثة ، والحديث الثاني يدلّ على عدم وجوب التكبير في الانتقال إلى القيام بعد الجلوس من السجدة الثانية فقط ، إلّا إنّ حكم الإمام بالتخيير لا بالتخصيص يدلّ على أنّ تعارضهما كان على نحو التباين لا العموم والخصوص ، ويدلّ ـ أيضا ـ على أنّ الحديث الأوّل الظاهر في العموم نقله الإمام عليهالسلام بالمعنى.
وكان في الواقع هذا الفرد أي : الانتقال من القعود إلى القيام ، خارجا عنه إلّا إنّه لا يتمكّن من إرادة ما عدا هذا الفرد بغير التعبير بالعموم ، وذلك لأنّ المصلحة التي يعلمها الإمام عليهالسلام كانت تتمّ في التعبير بالعموم فقط ، أو حكم الإمام بالتخيير يكشف عن كونهما بمنزلة المتباينين في عدم تطرّق التخصيص ، نظرا إلى ثبوت التلازم بين أفراد العام بحسب الحكم ، فالتخصيص يوجب طرح العام رأسا ، فلا يمكن حصر الإرادة في غير مورد التعارض مع الخاص ، كما في بحر الفوائد ، ثمّ قال : وهذا هو المراد بقوله قدسسره : (بحيث لا يتمكّن إرادة ما عدا هذا الفرد منه).
أي : على وجه الحصر. انتهى كلامه قدسسره.