فعلى هذا فالأشياء في جواهرها وذواتها وحدود وجودها وخصوصياتها تنتهي إلى الخلقة الإلهية ، كما أنّ أفعالها التي تصدر عنها في ظل تلك الخصوصيات تنتهي إليه أيضاً وليس العالم ومجموع الكون إلاّ مجموعة متوحّدة يتّصل بعضها ببعض ويتلاءم بعضها مع بعض ، ويؤثر بعضها في بعض ، والله سبحانه وراء هذا النظام ومعه وبعده ولا خالق ولا مدبّر حقيقة وبالأصالة إلاّ هو كما لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وبعبارة أُخرى : انّ التدبر في الآيات الواردة في التوحيد في الخالقية إذا فسّرت على نحو التفسير الموضوعي (١). يثبت أنّ آثار الموجودات الإمكانية آثار لها ، وفي الوقت نفسه تنتهي الأسباب إلى الله سبحانه. فجميع هذه الأسباب والمسببات يرتبط بعضها ببعض ويؤثر بعضها في بعض ، وفي الوقت نفسه مرتبطة بالله سبحانه وإليه ينتهي النظام الإمكاني والعلل والمعاليل.
وليس السبب منقطعاً عن الله ، وفي الوقت نفسه ليس المسبب فعلاً مباشرياً له سبحانه فبذلك يجمع بين القول بحصر الخالقية في الله سبحانه ، والقول بنظام العلل والمعاليل المنتهية إليه والقائمة به ، فالخالقية المستقلة النابعة من الذات ، منحصرة بالله سبحانه ، والخالقية الظلية والتبعية ، النابعة من قدرته سبحانه من خصائص النظام الإمكاني ، ولنعم قول القائل : «فالفعل فعل الله وهو فعلنا».
وباختصار : إنّ العوالم الممكنة من عاليها إلى سافلها متساوية النسبة إلى قدرته سبحانه ، فالجليل والحقير ، والثقيل والخفيف عنده سواسية ، لكن ليس
__________________
(١) نريد من التفسير الموضوعي هو جمع الآيات الواردة في أي موضوع من الموضوعات واستنطاق بعض الآيات ببعض والخروج بنتيجة واحدة ، هي حصيلة عامة الآيات. وقد ألّفنا موسوعة قرآنية على هذا الغرار وأسميناها ب «مفاهيم القرآن» انتشرت في عشرة أجزاء.