الحمى حركة اضطرارية ، وإذا كانت الحركة الأُخرى بخلاف هذا الوصف لم يكن اضطراراً ، لأنّ الإنسان في ذهابه ومجيئه ، وإقباله وإدباره بخلاف المرتعش من الفالج والمرتعِد من الحمى ، يعلم الإنسان التفرقة بين الحالين من نفسه وغيره علمَ اضطرار لا يجوز معه الشك. (١)
فإذا كان هذا حال الإنسان وهذه مواهبه وعطاياه ، فما هي الغاية من خلق القدرة في الإنسان التي لا دور لها في الإنشاء والإيجاد ، سوى حديث المقارنة ، مقارنة القدرة مع الحادثة من دون أن يكون بين قدرة العبد وفعله أي صلة.
إنّ إبعاد قدرة العبد عن التأثير في مصير الإنسان ، يضادّ وجدانَ كلّ فاعل ، أوّلاً ، ويُضفي على تزويد الإنسان بها ، شأن اللغوية ثانياً ، ويُعرِّف خالق القدرة لاعباً ثالثاً ، قال سبحانه : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ). (٢)
إنّ التوحيد في الخالقية ، من المعارف العليا القرآنية والتي لم يصل إليها حتى الأوحدي من الفلاسفة إلاّ عن طريق التدبّر في آيات الذكر الحكيم ، ومن خالفه من المعتزلة فإنّما خالفه بزعم انّه يخالف عدلَه وتنزيهه سبحانه غير انّ الذي يخالف عدله ، ويضاد تنزيهه ، هو حصر الخالقية بالمعنى الذي تبنّاه أهل الحديث والأشاعرة ، فانّه يضاد كونه حكيماً ، عادلاً ، نزيهاً عن اللغو واللعب حيث خلق في الإنسان القدرة التي لا دور لها في حياته في عاجله وآجله ، وأمّا تفسيره على النهج الذي عرفت وقد سار عليه أئمة أهل البيت فهو يدعم كونه سبحانه حكيماً ، عادلاً ، نزيهاً من اللغو والعبث.
__________________
(١) اللمع : ٧٥.
(٢) الأنبياء : ١٦.