غيري جنى وأنا المعاقَبُ فيكم |
|
فكأنني سبّابة المتندم |
إنّ هذه التوالي الفاسدة التي يدركها كلّ إنسان واع ووجدان حرّ دفعت الشيخ الأشعري ، ومن لفّ لفّه إلى الخروج عن هذا المأزق باختراع «نظرية الكسب» حتّى يتخلّصوا ممّا يترتب على خلق الأعمال من التوالي الفاسدة ، فإذا قيل لهم : كيف يُثاب المرء أو يُعاقب على عمل لم يوجده هو؟ وكيف يتفق هذا مع ما هو مقرّر في عدالة الله وحكمته في تكليف خلقه؟
أجابوا : انّ العباد وإن لم يكونوا خالقين لأعمالهم لكنّهم كاسبون لها ، وهذا الكسب هو مناط التكليف ومدار الثواب والعقاب وبه يتحقّق عدل الله وحكمته فيما شرّع للمكلّفين.
قالوا : إنّ هنا نصوصاً تثبت بأنّه لا خالق إلاّ هو ، كقوله (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) (١) ، (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) (٢) إلى غير ذلك.
وبجانب هذا توجد نصوص ، تَنسب أعمال العباد إليهم ، وتُعلّق رضوان الله للمحسنين منهم وتعلّق غضبه للمسيئين منهم ويقول : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) (٣) ، (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها) (٤) إلى غير ذلك من الآيات.
فحملوا النصوص الأُولى على الخلق ، وحملوا الثانية على الكسب جمعاً بين الأدلّة ، فإذا قيل ما هذا الكسب؟ وما يراد به؟ وهل هو أيضاً موجود أو معدوم؟
__________________
(١) الرعد : ١٦.
(٢) فاطر : ٣.
(٣) الجاثية : ١٥.
(٤) الإسراء : ٧.