والعلم بالمعلوم ، فإنّهما يتعلّقان بمتعلّقهما بتعلّق ، غير الوقوع ضرورة أنّ العلم ليس علّة للمعلوم ، فإذا لا بدّ من إثبات أمر آخر من التعلّق سوى الوقوع. (١)
وقد قام التفتازاني بتفسير الجهتين في شرح مقاصده وقال : لمّا بطل الجبر المحض بالضرورة ، وكون العبد خالقاً لأفعاله بالدليل ، وجب الاقتصاد في الاعتقاد ، وهو انّها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعاً وبقدرة العبد على وجه آخر من التعلّق يعبّر عنه بالاكتساب وليس من ضرورة ، تعلّق القدرة بالمقدور أن يكون على وجه الاختراع. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ الغزالي لم يأت في تفسير نظرية الكسب بأمر جديد ولم يزد التفتازاني شيئاً على بيانه ، وحاصله يتلخّص في كلمتين :
١. إنّ دور قدرة العبد ليس إلاّ دور المقارنة ، فعند حدوث القدرة في العبد يقوم سبحانه بخلق الفعل.
٢. إنّ للتعلّق أنواعاً ولا تنحصر في الإيجاد والوجود ، والإيقاع والوقوع ، بل هناك جهة أُخرى يُعبّر عنها بالكسب ـ فالعبد مصدر لهذه الجهة ، وبذلك يسمّى كاسباً ـ.
ومع هذا التطويل فالإشكال باق بحاله ، فإنّ وقوع الفعل مقارناً لقدرة العبد ، لا يُصحّح نسبة الفعل إلى العبد ، ولا تحمّل مسئوليته ، فإنّ نسبة المقارن إلى المقارن كنسبة تكلم الإنسان إلى نزول المطر في الصحراء ، فإذا لم يكن لقدرة العبد تأثير في وقوع الفعل ، كيف يصحّ في منطق العقل التفكيك بين الحركة الاختيارية ، والحركة الاضطرارية؟ والغزالي بكلامه هذا نقض ما ذكره في صدر البحث حيث
__________________
(١) الاقتصاد : ٩٢ ـ ٩٣.
(٢) شرح المقاصد : ١٢٧.