والثانية : نسبة الاختراع والخلق إلى قدرة من لا يعلم ما خلقه ، كأعمال النحل والعنكبوت وغيرهما من الحيوانات التي تقوم بأعاجيب الأعمال وغرائبها ، ثمّ قال : وإنّما الحقّ إثبات القدرتين على فعل واحد ، والقول بمقدور منسوب إلى قادرين ، فلا يبقى إلاّ استبعاد توارد القدرتين على فعل واحد. وهذا إنّما يبعد إذا كان تعلّق القدرتين على وجه واحد ، فإن اختلفت القدرتان ، واختلف وجه تعلّقهما فتوارد التعلّقين على شيء واحد غير محال ، كما نبيّنه.
ثمّ إنّه حاول بيان تغاير الجهتين ، وحاصل ما أفاد هو : إنّ الجهة الموجودة في تعلّق قدرته سبحانه على الفعل غير الجهة الموجودة في تعلّق قدرة العبد. والجهة في الأُولى جهة إيجادية تكون نتيجتُها وقوعَ الفعل في الخارج ، وحصوله في العين. والجهة في القدرة الثانية جهة أُخرى ، وهي صدور الفعل من الله سبحانه عند حدوث القدرة في العبد.
فلأجل ذلك تُسمّى الأُولى خالقاً ومخترعاً ، دون الثانية ، فاستعير لهذا النمط من النسبة اسم الكسب تيمّناً بكتاب الله تعالى.
هذا توضيح مرامه وإليك نصّ عبارته : لما كانت القدرة (قدرة العبد) والمقدور جميعاً بقدرة الله تعالى : سُمّي خالقاً ومخترعاً ، ولمّا لم يكن المقدور بقدرة العبد وإن كان معه ، فلم يسمّ خالقاً ولا مخترعاً. (١)
ثمّ اعترض على نفسه بما هذا حاصله : كيف تصحّ تسمية القدرة المخلوقة في العبد قدرة ، إذا لم يكن لها تعلّق بالمقدور ، فإنّ تعلق القدرة بالمقدور ليس إلاّ من جهة التأثير والإيجاد ـ وحصول المقدور بها ـ وأجاب عنه : بأنّ التعلّق ليس مقصوراً على الوقوع بها ، بل هناك تعلّق آخر غير الوقوع ، نظير تعلّق الإرادة بالمراد ،
__________________
(١) الاقتصاد في الاعتقاد : ٩٢.