وترك الشر وأوعده عليه ، بناء على ذلك الإقدار لم يوجب ذلك نقصاً في الألوهية. إذ غاية ما فيه أنّه أقدره على بعض مقدوراته لحكمة صحّة التكليف واتجاه الأمر والنهي. غير أنّ السمع ورد بما يقتضي نسبة الكلّ إليه تعالى بالإيجاد وقطعها عن العباد. فلنفي الجبر المحض وصحّة التكليف وجب التخصيص ، وهو لا يتوقّف على نسبة جميع أفعال العباد إليهم بالإيجاد ، بل يكفي لنفيه أن يقال :
جميع ما يتوقف عليه أفعال الجوارح من الحركات ، وكذا التروك التي هي أفعال النفس من الميل والداعية التي تدعو والاختيار ، بخلق الله تعالى ، لا تأثير لقدرة العبد فيه. وإنّما محلّ قدرته ، عزمه عقيب خلق الله تعالى هذه الأُمور في باطنه عزماً مصمّماً بلا تردّد ، فإذا أوجد العبد ذلك العزم ، خلق الله تعالى له الفعل. فيكون منسوباً إليه تعالى من حيث هو حرّكه ، وإلى العبد من حيث هو زنى ونحوه. فعن ذلك العزم الكائن بقدرة العبد المخلوقة لله تعالى ، صحّ تكليفه وثوابه وعقابه. وكفى في التخصيص تصحيح التكليف هذا الأمر الواحد. أعني : العزم المصمّم. وما سواه ممّا لا يحصى من الأفعال الجزئية والتروك كلّها مخلوقة لله تعالى ومتأثّرة عن قدرته ابتداءً بلا واسطة القدرة الحادثة. (١)
يلاحظ عليه : أنّ المجيب تصوّر أنّ القول بانحصار الخلق بالله سبحانه يستند إلى دليل سمعي قابل للتخصيص كسائر عمومات الكتاب والسنّة في الأحكام الشرعية والسنن. ولكن القول به يستند إلى برهان عقلي غير قابل للتخصيص ، وهو أنّ الممكن في ذاته وفعله قائم بالله سبحانه ، متدلّ به ، وليس يملك لنفسه ذاتاً ولا فعلاً. ولا فرق في ذلك بين الأفعال الخارجية والأفعال القلبية ، أعني : العزم والجزم فالكلّ ممكن ، والممكن يحتاج إلى واجب في وجوده
__________________
(١) شرح العقائد الطحاوية : ١٢٢ ـ ١٢٦ ، نقلاً عن المسايرة.