الكشف فقال :
اعلم يا أخي أنّ هذه المسألة من أدقّ مسائل الأُصول وأغمضها ، ولا يُزيل إشكالها إلاّ الكشف الصوفي ، أمّا أرباب العقول من الفِرَق فهم تائهون في إدراكها ، وآراؤهم فيها مضطربة. إذ كان أبو الحسن الأشعري يقول : ليس للقدرة الحادثة (قدرة العبد) أثر ، وإنّما تعلّقها بالمقدور مثل تعلّق العلم بالمعلوم في عدم التأثير.
وقد اعترض عليه بأنّ القدرة الحادثة إذا لم يكن لها أثر فوجودها وعدمها سواء ، فإنّ قدرة لا يقع بها المقدور ، بمثابة العجز. ولقوة هذا الاعتراض لجأ أصحاب الأشعري إلى القول بالجبر. وقال آخرون إنّ لها تأثيراً ما ، وهو اختيار الباقلاني ، لكنّه لما سئل عن كيفية هذا التأثير في حين التزامه باستقلال القدرة القديمة في خلق الأفعال ، لم يجد جواباً. وقال : إنّا نلتزم بالكسب لأنّه ثابت بالدليل ، غير أنّي لا يمكنني الإفصاح عنه بعبارة. وتمثل الشيخ أبو طاهر بقول الشاعر :
إذا لم يكن إلاّ الأسنّة مركباً |
|
فلا رأي للمضطر إلاّ ركوبها |
ثمّ قال : ملخص الأمر : أنّ من زعم أنّه لا عمل للعبد ، فقد عاند ، ومن زعم أنّه مستبد بالعمل ، فقد أشرك ؛ فلا بدّ من القول بأنّه مضطر على الاختيار. (١)
هذا ، وقد أحسن الشيخ في نقد الكسب ولكن الإحالة إلى الكشف الصوفي إحالة إلى المجهول ، أو إحالة إلى إدراك شخصي لا يكون حجّة للغير.
__________________
(١) اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر : ١٣٩ ـ ١٤١.