إلى أن قال : ودعوى أنّ الاعتقاد بكسب العبد. (١) لأفعاله يؤدي إلى الإشراك بالله ـ وهو الظلم العظيم ـ دعوى من لم يلتفت إلى معنى الإشراك على ما جاء به الكتاب والسنّة ، فالإشراك اعتقاد أنّ لغير الله أثراً فوق ما وهبه الله من الأسباب الظاهرة ، وأنّ لشيء من الأشياء سلطاناً على ما خرج عن قدرة المخلوقين ، وهو اعتقاد من يعظِّم سوى الله مستعيناً به في ما لا يقدر العبد عليه ....
جاءت الشريعة لتقرير أمرين عظيمين ، هما ركنا السعادة وقوام الأعمال البشرية :
الأوّل : إنّ العبد يكسب بإرادته وقدرته ما هو وسيلة لسعادته.
والثاني : إنّ قدرة الله هي مرجع لجميع الكائنات ، وإنّ من آثارها ما يحول بين العبد وبين إنفاذ ما يريده ، وإنّ لا شيء سوى الله يمكن له أن يمدّ العبد بالمعونة فيما لم يبلغه كسبه.
وقد كلّفه سبحانه أن يرفع همّته إلى استمداد العون منه وحده ، بعد أن يكون قد أفرغ ما عنده من الجهد في تصحيح الفكر وإجادة العمل. وهذا الذي قرّرناه قد اهتدى إليه سلف الأُمّة ، فقاموا من الأعمال بما عجبت له الأُمم ، وعوّل عليه من متأخّري أهل النظر إمام الحرمين الجويني ، وإن أنكر عليه بعض من لم يفهمه. (٢)
__________________
(١) ولعلّه استخدم لفظ الكسب ليكون واجهة لبيان مقصده بتعبير مقبول عند أهل السنّة وإلاّ فما ذكره لا صلة له بالكسب المصطلح ، إلاّ أن يريد الكسب القرآني ، أعني قوله سبحانه : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) البقرة : ٢٨٦.
(٢) رسالة التوحيد : ٥٩ ـ ٦٢ بتلخيص.