عند حدّ.
وقد وقف الشيخ عبده على خطورة الموقف ، وأنّه ممّا يستحقّ أن يشتري لنفسه اللومَ والذمَ ، بل الأمرَ الأشد من ذلك ، في سبيل إظهاره الحقيقة ، حتّى يدفع الهجمات الشعواء عن وجه الإسلام والمسلمين بقوة ورصانة.
نعم ، قد أثّر في تفكير الشيخ عبده وأوجد فيه هذا الحافز والاندفاع ، عاملان كبيران ، كان لهما الأثر البالغ في بناء شخصيته الفكرية والفلسفية والاجتماعية والسياسية ، وهما :
١. اطّلاعه على نهج البلاغة للإمام أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ في منفاه (بيروت).
٢. اتّصاله بالسيد المجاهد جمال الدين الأسدآبادي (١٢٥٤ ـ ١٣١٦ ه).
ففي ضوء هذين العاملين ، خالف الرأي العام في كثير من الموارد ، ومنها أفعال العباد ، فقال في رسالة التوحيد التي كتبها عام ١٣٠٣ ه ـ للتدريس في المدارس الإسلامية في بيروت سنة إقصائه من مصر إليها وقد وقف على نهج البلاغة في منفاه ـ :
يشهد سليم العقل والحواسّ من نفسه أنّه موجود ولا يحتاج في ذلك إلى دليل يهديه ، ولا معلم يرشده ، كذلك يشهد أنّه مدرك لأعماله الاختيارية ، يزن نتائجها بعقله ، ويقدّرها بإرادته ، ثمّ يصدرها بقدرة ما فيه ، ويعد إنكار شيء من ذلك مساوياً لإنكار وجوده في مجافاته لبداهة العقل.
كما يشهد بذلك في نفسه يشهده أيضاً في بني نوعه كافة ، متى كانوا مثله في سلامة العقل والحواس ... وعلى هذا قامت الشرائع ، وبه استقامت التكاليف ، ومن أنكر شيئاً منه فقد أنكر مكان الإيمان من نفسه ، وهو عقله الذي شرفه الله بالخطاب في أوامره ونواهيه.