لكن التقابل لا يقتضي تفسير الأُولى بما يتعلّق بفعل المريد ، والأُخرى بما يتعلّق بفعل الغير ، بل يكفي وجود التغاير بينهما في خصوصيات المتعلّق بأن يقال : انّ الإرادة مطلقاً في التكوينية والتشريعية تتعلّق بفعل النفس والمريد ؛ غاية الأمر انّه لو كان متعلّقها إيجاد شيء في الخارج كالأكل والشرب توصف بالتكوينية ، ولو كان متعلّقها بعث المكلّف إلى إيجاد شيء في الخارج تسمّى تشريعية ، وبذلك يظهر عدم صحّة قوله : فالإرادة التشريعية ليست ما تتعلّق بالتحريك والبعث فانّهما من أفعاله فلا مقابلة (أي يلزم عدم المقابلة) بين الإرادتين ، لما عرفت من أنّه يكفي في التقابل ، وجود الاختلاف في خصوصيات المتعلّق بعد اشتراكهما في كون المتعلّق فيهما هو فعل المريد ، غاية الأمر ينقسم فعل المريد إلى قسمين ، كما عرفت.
وثانياً : أنّ لازم تفسير التشريعية بالشوق إلى فعل الغير لما فيه فائدة عائدة إلى الشخص المريد ، هو كون الإرادة التكوينية أيضاً من مقولة الشوق ، وقد عرفت أنّ الإرادة ليست من مقولة الشوق ، وربّما يكون هنا شوق ولا إرادة كما تكون إرادة ولا يكون شوق.
وثالثاً : أنّ تقسيم الإرادة إلى التكوينية والتشريعية في مورده سبحانه والإنسان بملاك واحد ، وهو إن تعلّقت الإرادة بإيجاد الشيء تكويناً ، فالإرادة تكوينية مطلقاً في المالك والمملوك ، وإن تعلّقت بالإنشاء والبعث فهي تشريعية كذلك ، وهذا بخلاف ما أفاده ـ قدسسره ـ حيث فسّر الإرادة التكوينية : بحبه بذاته لذاته ، وحبه لأفعاله بالعرض ، وأمّا الإرادة التشريعية فهي عبارة عن إرسال الرسل وإنزال الكتب.