رابطة بين الذات المريدة وفعلها القائم بها ، وأمّا النفس وفعل غيرها فلا رابطة بينهما حتّى يتوسط بينهما حيثية الإرادة ، فالإرادة المتعلّقة بفعل المأمور توهّماً متعلّقة بالحقيقة بأمره بالفعل فتنسب إلى نفس الفعل مجازاً ، أو انّ إرادة الأمر لتعلّقها بفعل ما (البعث) له ارتباط بفعل المأمور تعد متعلّقة بنفس فعل المأمور تجوّزاً ، كما يقال : أردت الخبز وإنّما أراد أكله ، وهذا النحو من الاسناد أو النسبة كثير الدوران في الاستعمال. (١)
وحاصل تلك النظرية : انّ تقسيم الإرادة إلى التكوينية والتشريعية صرف اصطلاح نشأ من غرض خاص ، وإلاّ فالإرادة في كلا القسمين تتعلّق بفعل المريد ، إذ يمتنع أن تتعلّق الإرادة بفعل الغير ، لأنّها لا تتعلّق إلاّ بما كان تحت اختيار المريد وفعل الغير خارج عن اختياره فكيف تتعلّق إرادته به؟! هذا ما بعث السيد العلاّمة الطباطبائي إلى القول بأنّ كلا القسمين من نسيج واحد ، وإنّما الاختلاف في المراد ، فتارة يكون المراد أمراً تكوينياً ، وأُخرى أمراً اعتبارياً كإنشاء البعث المنتزع من الأمر.
وبعبارة أُخرى : إنّ الإنسان بما انّه طالب للكمال ربّما يقوم بالفعل بنفسه الذي يرى فيه الكمال وربّما يستخدم الغير لأجل تبسيط قدرته ونيل الكمال المطلوب عن طريقه ، فتكون الغاية من الإرادة التشريعية هو الوصول إلى الكمال المطلوب عن طريق استخدام الغير وبعثه نحو المراد.
هذه هي الإرادة التشريعية الإنسانية ، وأمّا الإرادة التشريعية الإلهية فهي أجل من أن تكون لتلك الغاية ، لأنّه كمال مطلق لا يتطرّق إليه النقص ولا
__________________
(١) حاشية الكفاية ، للعلاّمة الطباطبائي : ٧٨.