لا وجود قبله ، وبما أنّه أبديّ الوجود فهو آخر كل شيء إذ لا وجود بعده ، وبما أنّه خالق السماوات والأرض فالكون قائم بوجوده فهو باطن كل شيء ، كما أنّ النظام البديع دليل على وجوده فهو ظاهر كل شيء.
لا يحويه مكان لأنّه خالق السماوات والأرض وخالق الكون والمكان ، فكانَ قبل أن يكون أيّ مكان ، وبما أنّ العالم دقيقه وجليله ، فقير محتاج إليه قائم به ، فهو مع الأشياء معيّة قيومية لا معيّة مكانية ، ومع الإنسان أينما كان. فلا يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم أينما كانوا وذلك مقتضى كونه قيّوماً وما سواه قائماً به ، ولا يمكن للقيوم الغيبوبة عمّا قام به ، وفي النهاية هو محيط بكل شيء لا يحيطه شيء ، فقد أحاط كرسيّه السماوات والأرض ، فالجميع محاط وهو محيط ، ومن كان بهذه المنزلة لا تدركه الأبصار الصغيرة الضعيفة ولا يقع في أُفقها ولكنّه لكونه محيطاً ، يدرك الأبصار.
هذه صفاته سبحانه في القرآن ذكرناها على وجه الإيجاز وأوردناها بلا تفسير. وقد ثبت في محله أنّ من سمات العقيدة الإسلامية كونها عقيدة سهلة لا إبهام فيها ولا لغز فلو وجدنا شيئاً في السنّة أو غيرها يصطدم بهذه الصفات فيحكم عليه بالتأويل إن صحّ السند ، أو بالضرب عرض الجدار إن لم يصح ، فمن تلا هذه الآيات وتدبّر فيها ، يحكم بأنّه سبحانه فوق أن يقع في وهم الإنسان وفكره ومجال بصره وعينه ؛ وعند ذلك لو قيل له : إنّه جاء في الأثر أنّكم سترون ربّكم يوم القيامة كما ترون هذا (البدر) لا تضامون في رؤيته (١) ، يتلقّاه أمراً مناقضاً لما تلا من الآيات
__________________
(١) البخاري : الصحيح : ٤ / ٢٠٠.