وثمة آية أُخرى تندِّد بعمل المشركين حينما ينسبون بعض أعمالهم المنكرة إلى أمره سبحانه ، وهو يردُّ عليهم بأنّ عملهم فحشاء والله لا يأمر بها ، والآية صريحة في انّ الإنسان بفضل الوجدان يعرف الفحشاء عن غيرها بلا حاجة إلى تعريف الشارع ، كما هي صريحة في انّ الله سبحانه منزّه عن ارتكاب القبائح والمنكرات التي يعرفها الإنسان بوجدانه ويقول :
(وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ). (١)
فأخبر سبحانه أنّ فعلهم فاحشة قبل نهيه ، وأخبر أنّه لا يأمر بما هو فاحشة في العقول والفطرة ، ولو كان إنّما علم كونه فاحشة بالنهي ، وأنّه لا معنى لكونه فاحشة إلاّ تعلق النهي ، لصار معنى الكلام إنّ الله لا يأمر بما ينهى عنه ، ولصار معنى قوله : (أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي : أمر ربي بما أمر به ، ولكان معنى قوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ...) الآية ، أي : قل إنّما حرّم ربّي ما حرّم وهذا ما يصان عن التكلم به آحاد العقلاء ، فضلاً عن كلام العزيز الحكيم ، ويلزم ألا تكون الفاحشة فاحشة ، ولا الشرك شركاً إلاّ بعد النهي.
ولا شكّ أنّ الشرع كساها بنهيه عنه قبحاً إلى قبحها ، فكان قبحها في ذاتها وازدادت قبحاً عند العقل بنهي الربّ تعالى عنها ، وذمّه لها ، كما أنّ العدل والصدق والتوحيد حسن في نفسه وازداد حسناً إلى حسنه يأمر الرب به وثنائه على فاعله. (٢)
__________________
(١) الأعراف : ٢٨.
(٢) انظر ابن القيم ، مدارج السالكين ، ١ / ٢٣٣ ـ ٢٣٥ ؛ وانظر : مجموع الفتاوى : ١١ / ٦٧٨ ـ ٨ ؛ ٦٨٣ / ٤٣٣.