الثانية : في مفهوم الآيتين
إنّه سبحانه لما قال : (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) ربّما يتبادر إلى بعض الأذهان انّه إذا صار وكيلاً على كلّ شيء ، يكون جسماً قائماً بتدبير الأُمور الجسمانية ، فدفعه بأنّه سبحانه مع كونه وكيلاً لكلّ شيء (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ).
ولما يتبادر من ذلك الوصف إلى بعض الأذهان انّه إذا تعالى عن تعلّق الابصار فقد خرج عن حيطة الأشياء الخارجية وبطل الربط الوجودي الذي هو مناط علمه بمخلوقاته ، دفعه بقوله : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) مشيراً إلى وجود الربط الذي هو مناط علمه بهم.
ثمّ علّله بقوله : (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) و «اللطيف» هو الرقيق النافذ في الشيء ، و «الخبير» من له الخبرة الكاملة ، فإذا كان تعالى محيطاً بكلّ شيء لرقته ونفوذه في الأشياء كان شاهداً على كلّ شيء لا يفقده ظاهر كلّ شيء وباطنه ، ومع ذلك فهو عالم بظواهر الأشياء وبواطنها من غير أن يشغله شيء عن شيء أو يحتجب عنه شيء بشيء.
وبعبارة أُخرى : انّ الأشياء في مقام التصوّر على أصناف :
١. ما يَرى ويُرى ، كالإنسان.
٢. ما لا يَرى ولا يُرى ، كالأعراض النسبية كالأُبوّة والبنوة.
٣. ما يُرى ولا يَرى كالجمادات.
٤. ما يَرى ولا يُرى ، وهذا القسم تفرّد به خالق جميع الموجودات بأنّه يَرى ولا يُرى ، والآية بصدد مدحه وثنائه ، بأنّه جمع بين الأمرين يَرى ولا يُرى إلاّ بالشقّ