ويدلّ عليه قوله سبحانه : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ). (١)
وبعد ما عادوا إلى الحياة بدعاء موسى طلبوا منه أن يسأل الرؤية لنفسه لا لهم حتّى تحلّ رؤيته لله مكان رؤيتهم كما حلّ سماعه للوحي سبحانه محلّ سماعهم لكلامه تعالى حتّى يؤمنوا به.
فعند ذاك لم يكن لموسى محيص إلاّ الإقدام على السؤال وقال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فأجيب بقوله : (لَنْ تَرانِي).
وعلى ذلك ما كان طلب الرؤية إلاّ ليكبت هؤلاء الذين دعاهم سفهاء وضُلاّلاً وتبرّأ من فعلهم ، وذلك أنّهم حين طلبوا الرؤية أنكر عليهم وأعلمهم الخطأ ونبّههم على الحقّ فلجّوا وتمادوا في لجاجهم ، وقالوا لا بدّ ولن نؤمن حتّى نرى الله جهرة ، فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله : (لَنْ تَرانِي) ليتيقّنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ). (٢)
إلى هنا تمت دراسة الآيات الصريحة في امتناع رؤية الله تبارك وتعالى بطرق مختلفة ، ومن أمعن فيها وتجرد عن العقيدة التي تربّى عليها منذ نعومة أظفاره لرأى انّ الذكر الحكيم صريح في تعاليه سبحانه عن أن يقع في إطار الرؤية وأنّ طلب الرؤية تمنّي باطل.
__________________
(١) النساء : ١٥٣.
(٢) الزمخشري : الكشاف : ١ / ٥٧٣ ـ ٥٧٤.