فالآية لا تدلّ على جواز الرؤية يوم القيامة بتاتاً ، وذلك لوجوه :
الأوّل : انّه سبحانه نسب النظر إلى الوجوه لا إلى العيون ، فلم يقل عيون يومئذ ناظرة إلى ربّها ناضرة ، بل قال : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ، فلو كان المراد الجدي هو الرؤية الحسّية لكان المتعيّن استخدام العيون بدل الوجوه ، وأنت لا تجد في الأدب العربي قديمه وحديثه مورداً نسب فيه النظر إلى الوجوه وأُريدت به الرؤية الحسية بالعيون والأبصار ، بل كلّما أُريد منه الرؤية نسب إلى العيون أو الأبصار.
يقول سبحانه : (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ). (١)
وقال سبحانه : (وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها). (٢)
وقال سبحانه : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ). (٣)
فأداة الرؤية في القرآن الكريم هي العين والبصر لا الوجه ، يقول سبحانه : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ). (٤)
الثاني : نحن نوافق المستدلّ بأنّ النظر إذا استعمل مع إلى يكون بمعنى الرؤية ، لكن ربّما تكون الرؤية كناية عن معنى آخر ، فعندئذ يكون المقصود الحقيقي هو المكنّى عنه لا المكنّى به.
مثلاً إذا أردنا وصف زيد بالجود يقال : «زيد كثير الرماد» ، فالمعنى اللغوي ذم حيث يحكي عن كثرة النفايات في الدار ، ولكن المعنى المكنّى عنه الذي هو المتبادر العرفي هو مدح يحكي عن جوده وسخائه ، فالعبرة في تفسير الآية هو المراد الجدي لا المراد الاستعمالي.
__________________
(١) آل عمران : ١٣.
(٢) الأعراف : ١٧٩.
(٣) النور : ٣١.
(٤) المؤمنون : ٨٧.