بأدلّة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليّين قالوا بأنّ القائلين بهما يوجبون على الله ما يوجبون على العبد ، ويحرِّمون عليه من جنس ما يحرِّمون على العبد ، ويسمّون ذلك العدل ، والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمتهم. (١)
على هامش الاستدلال
إنّ المستدل خلط بين فرض التكليف على الله ، وكشف ما عنده من الحُكْم من خلال صفاته وكماله ، فالقائل بالملازمة لا يفرض التكليف على الله ، ويقول : أين التراب ورب الأرباب ، بل يستكشف ما عنده من الأحكام من خلال دراسة صفاته الكمالية ، فهو بما انّه عادل ، لا يجور ، وحكيم لا يعبث ، وعالم لا يجهل ، نستكشف بها الأحكام اللائقة به حسب صفاته فالتكاليف التي يستنبطها العقل من قبيل التكاليف التي فرضتها على الله حكمتُه وعدله وعلمه. فلو قلنا لا يجوز على الله سبحانه تعذيبُ البريء أو أخذُه بذنب المجرم ، لا نعني انّا نفرض هذا التكليف عليه ، وانّه يجب أن يقوم به ، وإنّما نريد أنّ لازم صفاته الكمالية هو أن لا يفعل ذلك.
وهذا نظير ما يقوم به العلماء من كشف أسرار الطبيعة وقوانينها ، فلو قال القائل : بأنّ زوايا المثلث تساوي قائمتين ، فهذا لا يعني إلاّ أنّه في الواقع كذلك ، لا انّه يجب أن يكون كذلك لأجل حكمه به.
فإذا كان النظام السائد على الكون نظاماً مبنياً على العلم والعدل والحكمة فلازم ذلك أن لا يؤخذ البريء بذنب المجرم ، فكشف هذا الحكم نظير كشف القوانين السائدة على الكون في العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية.
__________________
(١) التبصير في الدين : ١٥٣ ؛ شرح المقاصد : ٢ / ١٥٠ طبعة اسطنبول.